بقلم : زكرياء عالم
لنخرج بعض الشيء من أخبار كورونا والجائحة التي سببها ونسأل الله أن يفرّج على عباده، ولنوجّه نظرنا إلى نوافذ فكرية قد تنسينا الحلقة التي باتت تضيق علينا يومًا بعد يوم.
في العقود الماضية تعالت الأصوات من أجل تجديد الخطاب الديني. وهذا أمر ضروري لابد منه في كل عصر. فإن تحدثنا عن السلفية الخالصة واتباع منهج السلف سوف نجد أن منهجهم هو الاستقاء من كتاب الله وسنة رسوله والاستفادة ممّا وصل إليه العلماء الذين سبقوهم، ثم الاجتهاد لأنفسهم بما يناسب عصورهم وبلغة عصورهم.
ولست في معرض الدفاع عن السلفية بل هو إعادة نظر في هذا النهج. ذلك هو منهج السلف، وإن أردنا أن نتبنى منهجهم بحق فإن ذلك سيضعنا أمام منهج ينسف أي نظرة تقليد متشددة تدعو للظلامية أو الانغلاق أو محاولة بعث العصور الوسطى من جديد لنعيش في ما عاشوا فيه، لأن السلف كانوا أبناء عصرهم واجتهدوا حسب ذلك السياق.
فإن أردنا الاقتداء بالسلف علينا أن نفعل مثلهم فنجتهد لعصرنا بأساليب عصرنا ونستفيد من كل ما تتيحه مزايا زماننا ونستعمل كل ما وصل إليه السابقون في علوم الدين دون أن نقف عنده، كما لم يقف آخرهم عند قول أولهم فأضاف عليه وخطا خطوات نحو الأمام في التجديد. فلا بد إذن من تجديد الخطاب الديني لنكون مقتدين بسلفنا الصالح حقًا، ولا بد من تجديد المناهج في كل علوم الدين وسد الثغرات التي فيها، فهذه العلوم إنما هي عمل بشري وأي عمل بشري سيحتوي لا ريب على ثغرات ونقائص. إذن يجب أن ينظر كل مختص في علم ما بعين ناقدة لهذه العلوم لتجديدها وتحسينها: علم أصول الفقه، الحديث، مصطلح الحديث وغيرها، بما لا يخرج عن كتاب الله والغايات الكبرى للدين.
ومن جهة أخرى، من الناس من يدعو إلى تجديد الخطاب الديني وفي عمق دعواه تجد تدميرًا لهذا الخطاب. ما التجديد؟ التجديد هو أن تأتي لبناء فتصلح جدارًا وتقيم عمودًا وتدهن غرفة وتقوّي وتحسّن وتجمّل. أما أن تكون دعواك تحت اسم التجديد وأنت في الحقيقة تطلب إلغاء كل ذلك البناء فأنت تهدم ولا تجدد. والطامة هي أن هؤلاء لا يقدمون أي بديل لهذا البناء، بل هي مجرد أفكار وخواطر، فلو أنهم قدموا بديلاً قويًا لقلنا إن هذا من باب الثورة الفكرية، فننظر إلى مدى قوة البناء الجديد ونقارنه بما سبقه. ولكنهم يهدمون دون أن يبنوا شيئًا، ويا ليتهم فقهوا عِظم وقوة البناء الذي يحاولون هدمه، وهذا من أبواب الطعن في الدين نفسه.
لابد من التجديد في الدين، فهذا هو النهج الذي سارت عليه الأمة في القرون الأولى، لابد من إلقاء الحجر في الماء الراكد لتحريكه، ولكن أن تهدم البناء كله فاعلم أنك تسكن فيه وسقفه أول ما سيخرّ سوف يخرّ على رأسك.