بقلم / محمد القاضي
كنت جالسا في مقهى خارح مدينة فاس أرتشف قهوتي ، وكالعادة اخذت جهازي وبدأت أتبحر في الشبكة العنكبوتية بحثا عن المستجدات، حيث أثار انتباهي عنوان لمقال منشور في إحدى المواقع الالكترونية ” تنامي الجريمة في مدينة ….(…).”.
نقرت على العنوان للاطلاع على مضمونه، خصوصا وأنني بصدد إنجاز تحقيق صحفي حول السلم الاجتماعي ، فقلت ربما أعثر في هذا المقال على معلومات قد أستئنس بها في عملي.
غير ان محتوى المقال صدمني، لأن كاتبه ربط تنامي الجريمة بهذه المدينة بضعف الأداء الأمني ، أي أنه بطريقة ضمنية أراد ان يقول لجمهور جريدته بأن السلطات الأمنية هي التي تتحمل مسؤولية تنامي الجريمة، داعيا في ذات المقال المصالح الأمنية بمدينته إلى القيام بواجبها والتعاطي مع الجريمة بمقاربة أمنية رادعة.
المقال من حيث الصياغة والديباجة ، عبارة عن إنشاء رائع ، ولكن بمحتوى تضليلي وتدليسي – عن قصد أو غير قصد – ، لأن الكثير من الذين يقرؤون مثل الأخبار المضللة والتدليسية ، سيرسخون في اذهانهم بأن الجريمة تعادل ضعف الأداء الأمني.
بيد ان الحقيقة ليست كذلك، وأن استتباب الأمن بالمجتمع لا يرتبط فقط بوظيفة الأمن الوطني، إذ أن استتبابه تتداخل فيه وظيفة عدة أطراف منها على سبيل الذكر لا الحصر : الأمن الغذائي ، الأمن الروحي ، الأمن الصحي ، الأمن التربوي ، الأمن التشريعي، الارتياح الاجتماعي ، الأمن السياسي وغيرها.
الأمن الغذائي : من الصعب جدا احتواء الجريمة إذا كان الأمن الغذائي يعاني من اختلالات وأن الناس القائمين على تدبيره تُطرح أمامهم أكثر من علامة استفهام ويتواجدون في دائرة مليئة بالشبهات.
الأمن التربوي : إذا كانت وظيفة التربية والتأطير تناط بالمؤسسات التعليمية والتربوية والمؤسسات الحزبية والنقابية، فإنه لا يمكن الحديث عن الأمن التربوي في ظل وجود شياطين تتربص بالمراهقات والمراهقين قرب فضاءات المؤسسات التعليمية والتربوية لإنهاكهم بسموم القرقوبي والمؤثرات العقلية والمنشطات وغيرها من السموم بإيعاز من “سياسيين” وتحت تغطيتهم وحمايتهم… كما لا يمكن الحديث عن الأمن التأطيري في ظل قيام أحزاب سياسية بتزكية مفسدين ووسطاء دعارة وأشخاص لهم سوابق قضائية وأميين ونصابة والمتاجرين بحقوق الطبقة الشغيلة.
الأمن التشريعي : إذا كان القانون هو الضابط الذي نحتكم اليه جميعا في ضبط الحقوق والواجبات (حقوق المواطنة) وتدبير النزاعات وردع المخالفين له، فإن اغلب أعضاء المؤسسة التشريعية ليس لهم إلمام لا بالتشريع ولا بإنتاج القوانين ولا بحماية حقوق الناس ولا بالدفاع عن حقوق الوطن وحقوق المواطنين ولا بأي شيء .. وظيفتهم لا تتجاوز التصفيق وسلب الحلوة وسرقة حقوق المغاربة، مغاربة اليوم ومغاربة الغد….في حين أن وظيفتهم الأساسية هي إنتاج قوانين قادرة على تحصين حقوق الناس من أفقر الناس إلى اغناهم وتحمي مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص.
الأمن الروحي : يلعب الدين دورا مهما في حماية الفرد من انحرافاته ومن انحرافات الاخرين، إذ أن التمسك بعقيدتنا يعزز الأمن الروحي للفرد .. إذ أن الفرد يرتدع من تلقاء نفسه ، ويمتنع عن إيذاء الآخرين أو الإضرار بمصالحهم العامة أو الخاصة..لأن الدين يغذى بداخله موانع وزواجر (جمع زاجر) ..
إذن كيف يمكن الاستعانة بضبط الأمن الروحي للمجتمع، ونحن لدينا ساسة يطالبون بإلغاء تشريعات ربانية وتعويضها بتشريعات البنك الدولي والمؤسسات النيوليبرالية.؟
ومن ثمة فإن أمن المجتمع لا تتحمل مسؤوليته المصالح الأمنية لوحدها، بل الكل يتحمل مسؤوليته من موقعه…