*إسماعيل العلوي
توطئة :
في الوقت الذي فشا فينا الوباء، وانحشر وحش خفي بيننا وعم البلاء، وفرت البشرية كلها مكممة منه رافعة الراية البيضاء، فقد أعجز الفيروس فينا أمهر الباحثين والاطباء، ورفع اهل الارض أكفهم عاجزين إلى السماء..
في هذا الوقت العصيب والزمان، والناس صيام في شهر رمضان، أبت مملكتنا الشريفة الا ان تتصرف بحكمة وحزم ودهاء، ولكن حكومتنا الموقرة ضُبطت في حالة تسلل تنم عن بلادة بلهاء..!
المتن:
زعموا أن وحشا خفيا يطيح بالخبراء والأطباء، ويخرق حصون القصور ومعشر الأمراء، ويهزأ باحتراز أصحاب المهابة والسعادة والسمو والوزراء، فلم يرحم هشاشة كبار السن او الضعفاء من الفقراء، فها قد عم البلاء وعز الدواء، وليس امام البرية الا رفع أكف الضراعة بالدعاء لرب السماء، لعله يرفع عنا بمنه وفضله هذا البلاء..
فلا عمرة بقيت ولا حج ولا صلاة في جماعة، بل فر المرء من أخيه وأمه وأبيه وكأنها الساعة، فرغم موت الحبيب ولوعة الفراق، لن يتصافح المعزون أبدا او يهموا بالعناق!! سيغيب الاحباب والاعزاء عمدا عن مجلس العزاء، فلم يجتمع الاصحاب قط في خيمة العشاء، بل اكتفى كل فرد فينا –عن بعد- بالدعاء..
بالله عليك يا أرض قد كنت بالأمس شاسعة الفضاء، وها أنت ذي قد ضقت بنا اليوم بنزول ذا القضاء..
صال وجال البلاء في الدنا حرا وأرهب الناس، لا يوقر المَهين كبيرنا بل يكتم الأنفاس، وكل من مسه بضر وأتاه الباس، يقال له: ابق بعيدا عندك محجورا فلا مساس..!
في رمشة عين اختفى كل نشاط جماعي، وفرض على الجميع تنفيذ “التباعد الاجتماعي”، وهجم الملل على الأجيال كلها، ولم تنفع معهم مواقع التواصل الاجتماعي!!
لاثقة في عتيقة:
لما حلت كورونا بأرضنا مستهزئة بكل دواء، وأفرغت شوارع البلدان وضاق بنا الفضاء، أظهرت حكومتنا بفخر وحزم حسن البلاء، وطارت سمعتها في الآفاق وبلغت عنان السماء..
ولكن بمجرد ما أصبحنا “رسميا” مضرب الأمثال، واهتم الناس واغتموا وكثر الانشغال، كان لابد من اغتنام الفرصة السانحة وحسن الاستغلال، وآن أوان الضبط والتحكم في الحرية ووسائل الاتصال، ولا بأس بشيء من الشطط والتسلط والاستغفال..!
وسوست نفس الوزيز له مسولة : قم مسرعا واغتنم هذه الفرصة السانحة، ومرر سرا بعض البنود الكالحة، واحذر أن تفوح الرائحة، فلتوسيع السيطرة عليهم لن تجد قط مثل هذه الجائحة..
فما دامت الدولة مشكورة قد سيطرت على أعداد الإصابات وتحكمت في الازدياد، ونجحت في التقرب منا وكسب العباد، وأبان الموطنون عن حس راق وحب أصيل للبلاد، كان لا بد من تشويش جديد من الاتحاد…!
ففي الوقت الذي جُرم الخروج إلا لسبب قاهر من الاسباب، وأصبحت تأشيرة “المقدم” ضرورية لتجنب العقاب، والتزم الناس بيوتهم وغلّقوا الأبواب، ومُنعوا من لمس بعضهم وحُرّم الاقتراب، تسرب ما دَبر بليل وزيرُنا في الاتحاد، إنّ هذا حقا لهو العَجب العُجاب !
ففي هذه الظروف العصيبة الكورونية، انتبه وزيرنا الذكي الدهي إلى “ضعف” الترسانة القانونية، وأنها “المسكينة” عاجزة عن ردع الجرائم الالكترونية، واصفا إياها بأنها ضعيفة، ناقصة و”غير كافية”، فكان لا بد من استغلال الظروف الحالية، لمدها بجرعة عالية التركيز من التعزيز والتشديد والتقوية..
فما دام الهدف النبيل –ياسادة- هو تقوية قوانيننا الجنائية، وتعزيز ترسانتنا بنصوص راعدة زجرية، لأجل مكافحة كافة الجرائم المعلوماتية، وتضييق الخناق على الانشطة الإرهابية، ورصد المجرمين المحترفين عبر الشبكات العنكبوتية، فلا بأس من “تضحية” المواطن الصالح بقليل من الحرية!
ولا تقلقوا أبدا، فماهي إلا مصادقة أولية، سيعرض القانون بعدها على لجنة وزارية، بعد تنقيحه من لجنة تقنية، وسيمر أمامكم “مباشرة” على القناة الوطنية، وستوافقون عليه عبر ممثليكم “بكل شفافية”، وسيكون عرسا جديدا في القبة البرلمانية، احتفالا واحتفاء بالمنهجية الديمقراطية !!
أفلا تضحون من أجل كل ذلك بشيء زهيد مما يسمى “حرية”، وأن تتخلوا بكل وعي عن جزء قليل من الأنانية؟!!
لاشك أن نية حكومتنا هي ملاحقة كل المجرمين الأشرار، وكذا الحفاظ على خصوصية كل منا وما لديه من أسرار، ولكن عذرا وزيرنا فما فجّر كل هذه الموجة من الاستنكار، وما تسبب في كل هذه الاحتجاجات والإعصار، هو تجريمك الواضح لكلام المنتقدين الاحرار، لمنتوجات بعض المنعم عليهم من الأثرياء الكبار، وقد اعتبرها البعض –صراحة- حصانة واضحة لشهبندر التجار!
فهل حقا يدخل منتقدو منتوجات شهبندرنا وصحبه ضمن لائحة الارهابيين الاشرار؟!
بعد انفجار الفضيحة وتسريب الوثيقة، همس صاحبي على الخاص: لا ثقة في عتيقة! فقلت لعلك تقصد حليمة، وانها تعود دوما لعادتها القديمة، فقال اعرفهما معا ياصديقي واعرف حتى براقش وعيشة قنديشة! فأنا لا اقصد حقا حليمة، لأني أعرف جيدا نيتها السليمة! ولكني اقصد “العفريتة” عتيقة، فسلالتها في اللؤم عريقة، وجذورها في التحكم عميقة ..!!
قبيل الختام:
وفجأة، في ظل هذه الأجواء الكورونية، تنادى أهل الحل والعقد في العدالة والتنمية، وتذكروا اخيرا أن البلاد في حالة طوارئ صحية، وأن لها لا لغيرها الاسبقية والاولوية، والعجيب إشادتهم مشكورين بكل النقاشات الساخنة العمومية، كما رفضوا- بشجاعة نادرة- أي مقتضيات تشريعية تتعارض مع ممارساتنا للحرية! بل قد دعوا الحكومة فورا الى تأجيل عرضه على القبة البرلمانية، مراعاة للظرفية وصيانة للوحدة الوطنية، وفورا استجاب صاحبنا في القوات الشعبية، فطلب عاجلا تأجيل اشغال اللجنة الوزارية، واجراء المشاورات مع كافة الهيئات المعنية، والسعي لانضاج المشروع في صيغته النهائية، لتكون منسجمة مع القوانين الدولية والمبادئ الدستورية! فهل تكفيكم هذه “الهدنة” يامن فجرتم هذه “الفضيحة” المجلجلة المدوية؟!!
أكيد للحديث بقية …
وأخيرا:
وأنت، وإن كنتَ ضيفا ثقيلا علينا، وفرضت المكت في البيوت علينا، واعترفنا صاغرين انك –لحد الآن- منتصرعلينا، فإنا قد تعلمنا أن ندع الأيام تفعل ما تشاء، وأن نطيب نفسا إذا حكم القضاء، فحقا ما لحوادث الدنيا بقاء، وقطعا لاحزنا يدوم ولابؤسا يستمر ولا عناء، فستمضي قريبا غير مأسوف عليك كما مضى الاولونا، وستحكي الجدات نهاياتك غدا ويفرح بقهرك العالمينا، وسنذكر لك انك وإن ابعدتنا حينا عن الاسواق والملاعب والأهواء، فقد قربت كثيرا منا من نفسه وأهله ورب السماء..ونقول لكل الاحباب انتظرونا فإلى اللقاء..
*إعلامي مغربي