*بقلم رضوان الغفولي
بعد مخاض عسير لما يناهز السنة، و تَبارُز قانوني في قاعات المحاكم المغربية، استطاع حزب الأصالة و المعاصرة أن يكسِب الرهان و يعقد مؤتمره الرابع الذي دارت أشغاله بمركز محمد السادس للمعارض بالجديدة أيام 7, 8, 9, فبراير 2020.
ثلاثة أيام من الأخذ و الرد و النقاش الحاد الذي تحول في الجلسة الإفتتاحية إلى فوضى عمت أرجاء المكان، مكنت في نهاية المطاف من تحقيق المبتغى و الخروج بقيادة جديدة للحزب بتصور متجدد مغاير لما كان سائدا من قبل.
أطوار المؤتمر أبانت بشكل واضح أن المناضلين لم يعودوا إِمّعة أو وسلية في يد فئة قليلة تستخدمها لتحقيق مآربها الخاصة و تضغط بها للوصول إلى مواقع المسؤولية، بل أصبحوا مستقلين فعليا و قادرين على خوض غمار تصراع الأفكار و التعبير عن مدركاتهم و قناعاتهم السياسية بشكل منعزل عن أي عرّاب.
المُلْفِت للنظر في هذا المؤتمر هو بروز تَوجُّهين فكريّين متناقضَين داخل الحزب : تيار المستقبل الذي بنى قاعدته على الإبتعاد عن الصراعات الفارغة مع حزب العدالة و التنمية و على استقلالية قرار الحزب عن الدولة، و تيار الشرعية الذي كان لا يزال يؤمن بالقطيعة المطلقة مع الإسلاميين.
طبيعة المداخلات في الورشات أكدت أن الحزب بدا منخرطا فعليا في مقارعة فكرية إيديولوجية سيكون لها ما بعدها ؛ إما أن يستمر الحزب على نفس المسار و يتبنى نفس الخطاب المناهض للإسلاميين، أو سيخرج من مستنقع قد أنهك قواه و شوّه صورته منذ صعود البيجيدي إلى الحكومة.انتخاب عبد اللطيف وهبي على رأس الأمانة العامة جاء ليحرك المياه الآسنة داخل الحزب و يعطي نفَسا جديدا لمناضليه. تصريحاته في العديد من المناسبات أكدت أنه إن تحمل مسؤولية الحزب فسينفتح على جميع الأحزاب بما فيها العدالة و التنمية و ليس لديه أي مشكل في التحالف معهم مستقبلا و هو ما أكده في تصريحه الأخير بعد فوزه.
طَرحُه هذا خَدَمَهُ بشكل كبير في حملته الإنتخابية و ساعده على تقديم تصوره البراغماتي البعيد عن التطاحنات الإيديولوجية الفارغة.
رؤية وهبي الثاقبة للوضع الحزبي و السياسي بالمغرب ويقينُه بأن حزب الأصالة و المعاصرة لن يصل إلى صناعة القرار الحكومي و سيبقى دائما في صف المعارضة إن ظل متمسكا بمحاربته للإسلاميين، هو ما جعله منذ سنوات و في عدة مناسبات يخْطُب وِدَّ البيجيدي و ود ابن كيران على الخصوص حتى يُقنِع المتتبع للشأن السياسي أن حزب الأصالة و المعاصرة لم يعد ذاك الحزب الفزاعة الذي يخيف الإسلاميين أو يحاربهم.
فكرة تطليق الدولة و استقلالية الحزب في قراراته و قطيعته مع مبدأ محاربة الإسلاميين خلقت ارتجاحا كبيرا داخل الحزب و أطلقت نقاشا بنّاءََ لم يكن مطروحا من قبل أو حتى التجرؤ على طرحه.
وهبي بحنكة و دهاء المحامي و بلاغة اللسان التي تمرس عليها في مرافعاته داخل قاعات المحاكم أثبت أن الحزب قادر على تجديد نفسه و انبعاثه من جديد كما ينبعث طائر العنقاء من رماده أكثر قوة. دقة خطابه و جرأته في تسمية الأشياء بمسمياتها أقنعت الكثيرين في تبني موقفه و الالتفاف حول أطروحته.
هذا التقدم الذي عرفه الحزب في هذه المدة الأخيرة كانت له انعكاسات إيجابية على المناضلين و بعث إشارات واضحة لباقي الأحزاب و للمواطنين عامة مفادها أن الحزب أصبح مستقلا عن أي جهة و لا يعادي أحدا و أن الحزب منفتح على جميع المغاربة و جميع القوى السياسية، و هدفه الأسمى هو خدمة الوطن و المواطنين و تحقيق الديمقراطية و العدالة الإجتماعية.
الفترة القريبة المقبلة ستحدد بشكل أكبر معالم توجه الحزب حينما يشكل الأمين العام تركيبة المكتب السياسي. و سيكون و هبي قد فاز بالرهان إذا ما استطاع أن يضم عناصر قادرة على بلورة فكره على أرض الواقع و لَمِّ شَمْل المناضلين لأن الحزب يحتاجهم جميعا.
المسؤولية الآن أصبحت أكثر جسامة نظرا للتغيرات السياسية و المجتمعية التي عرفها المغرب مؤخرا، مهمة الأمين العام و مكتبه السياسي ستكون جد معقدة نظرا لموقع الحزب سياسيا بصفته الثاني على مستوى البرلمان و أول معارضة، و نظرا لعزوف المواطنين عن السياسة و ربما مقاطعتهم للإنتخابات في الإستحقاقات المقبلة.
الرهان الآن هو إعادة بناء التنظيم و رص الصفوف و نهج سياسة القرب من المواطنين إن فعلا أراد الحزب أن يتصدر الإنتخابات المقبلة، فغير مسموح أن يتقهقر إلى مستوى أدنى و غير مقبول أن يضيع مرة أخرى فرصة تسيير الشأن العام من داخل الحكومة المقبلة.
* أستاذ باحث في سلك الدكتوراه