بقلم : اسماعيل سطوري
يعتبر هذا المقال تتمة لمقال كتبته بعنوان كورونا… والنموذج التنموي، فهو بمثابة الجزء الثاني للمقال الأول، ولهذا سنتعرف في هذا المقال عن مفهوم التنمية؟ وكيف يمكن تنزيلها عبر نموذج يراعي خصوصية البلاد؟
التنمية لغة هي النمو، النماء، والزيادة، وهي عملية تطور شامل أو جزئي مستمر وتتخذ أشكالا مختلفة تهدف إلى الرقي بالوضع الإنساني.
لقد برز مفهوم التنمية بداية في مجال الاقتصاد بقياس النمو في المجتمعات بمؤشرات اقتصادية مادية في مجملها، حيث تقوم المجتمعات بالإنتاج الكمي، وبتطوير الموارد الصناعية والأليات التقنية لتحقيق التحسن المتزايد في الميدان الاقتصادي. إلا أنه لم يتحقق المطلوب منها حيث ظهرت فوارق اجتماعية، بين فئات المجتمع الواحد، ولم يستفد الى من يمتلك وسائل الإنتاج، في حين غالبية الشعب لم يطرأ عليه أي تحسن في مستوى المعيشي، لينتقل مفهوم التنمية إلى المجال السياسي في ستينيات من القرن الماضي، يعرف بأنها عملية تغيير اجتماعي متعدد الجوانب تهدف إلى تطوير التفاعلات المجتمعية بين أطراف المجتمع، فظهر ما يسمى التنمية الاجتماعية، ثم يتطور ويتسع ليرتبط بالحقل المعرفي الذي يسعى لرفع مستوى الثقافة في المجتمع، بالإضافة لذلك استحدث مفهوم التنمية البشرية في تسعينيات من القرن العشرين، لأن لا تنمية اقتصادية او سياسية او اجتماعية دون تنمية الانسان، فهو الفاعل الاول والاخير في هذا الكون، لقد ترسخ الاقتناع بأن المحور الرئيس في عملية التنمية هو الإنسان، بناء على ذلك تزايد الاهتمام بمفهوم حقوق الانسان ولعناية به في كافة مناحي الحياة، بدعم قدرات الفرد وقياس مستوى معيشته وتحسين أوضاعه في المجتمع. لكن سيظهر خلل أخر هو الاستغلال المفرط للموارد وما ترتب عليه من انعكاسات سلبية على انسان بشكل خاص وكوكب الأرض بشكل عام، مما سيدفع الى تفعيل بعد الاستدامة في مفهوم التنمية، وذلك بالحفاظ على البيئة وترشيد استغلال الموارد بحسن تدبيرها لتحقيق الإنصاف داخل الجيل الواحد وبين الأجيال المتعاقبة. فالتنمية البشرية المستدامة تشدد على النمو الذي يولد فرص عمل جديدة، وتحافظ على البيئة بدل تدميرها، وتزيد من تمكين الناس بدل تهميشهم وتحقق العدالة فيما بينهم. فكيف يتم ذلك بعد جائحة كورونا؟
تسبب الفيروس المستجد كورونا، في شبه انهيار لنظام العولمة، حيث خلف من ناحية اقتصادية إغلاق تام لعجلة الانتاج، ولتدفق المال والأعمال، عبر الدول، وتقليص حجم المبادلات التجارية إلى حدود الصفر، بل رأينا كذلك انهيار التكتلات الدولية الإقليمية، مثل اتحاد الأوربي، الذي يعتبر أقوى تكتل إقليمي، واندماج تام بين أعضائه، إلا أن الجائحة، فرضت على الدول أن تغلق حدودها وتهتم بشؤونها الداخلية، وبمواطنها، وتكافح بوحدها هذا الوباء، وتقوم باتخاذ تدابير وبروتوكولات وقائية خاصة بها، في مكافحة هذه الجائحة.
أدى ذلك إلى أزمة اقتصادية، وكساد شمل كل دول المعمورة، على مدار حوالي أربعة أشهر من انتشار هذا الوباء، فتسبب بانهيار الأسواق، وأسعار الأسهم في البورصة، كما شهدنا هبوط حاد في سعر البترول، وبفرض الحجر الصحي، ظهرت العواصم الدول حزينة، كأنها مدن الأشباح، ونظرا لإعلان افلاس العديد من الشركات في العالم، وتضرر معظم الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بسلاسل التوريد العالمية، وارتفاع معدل البطالة، أمام هذا الوضع بدأت الدول العالم منذ منتصف شهر ماي، تتجه لوقف هذا النزيف المهول الذي أصابها بالرفع التدريجي للحجر الصحي، وإعادة دورة إنتاجية، بفتح المصانع والأنشطة الاقتصادية للعمل من جديد، مع اتخاذ ومراعاة التدبير والإجراءات الاحترازية والوقائية داخل هذه المؤسسات والتزام بها، للحفاظ على سلامة العاملين والمأجورين، وذلك بتحمل المسؤولية لاستعداد للتعايش مع هذا الفيروس المستجد، الذي لازال لقاحه لغزا. كما تكبد اقتصاد الوطني المغربي حسب تصريح وزير اقتصاد والمالية خسارة مليار درهم يوميا، فكيف يمكن الخروج من هذه الوضعية المزرية، بغية تحقيق النموذج التنموي المنشود؟
اعتمد المغرب منذ استقلال على اقتصاد مهيكل لخدمة الأقلية وتكريس التبعية، حيث كانت المخططات الخماسية والثلاثية، التي تهدف بالأساس لتحسين القطاع الفلاحي، والسياحي، ومنظومة التربية والتعليم، إلا أن هذه المخططات كانت نتائجها هزيلة مقارنة مع الأهداف المسطرة، واستمر الوضع حتى الألفية الثالثة، حيث سيتم نهج مخططات على المدى المتوسط والبعيد، مخطط المغرب الأخضر خاص بالقطاع الفلاحي، مخطط الأزرق يستهدف السياحة، وأليوتيس للصيد البحري، إلا أنها لم تختلف عن سابقتها، فكانت النتائج جد متواضعة، ولم تخدم سوى الطبقة الأليغارشية، حيث لازال المغرب يستورد معظم المواد الغذائية، رغم ترويج منذ عهد الحماية، بأن المغرب بلد فلاحي، ورصد لهذا القطاع لتنميته كل الموارد والآليات، لتحقيق أمن غذائي واكتفاء ذاتي وتحسين وضعية الفلاح، إلا أن هذا كان بعيد المنال إلى حدود اللحظة الراهنة، كما أنه بالرغم من توفر المغرب على رصيف بحري بطول 3500 كيلومتر، إلا أن أسعار الأسماك مرتفعة، نهيك عن القطاع الصناعي، الذي يعرف ازدواجية بين تقليدي والعصري، وأنشطة صناعية خاصة قطاعات المنجمي، بالرغم من مخطط إقلاع الصناعي والذي جعله النسيج اقتصادي ينفتح على مجموعة من المهن ذات الإنتاجية العالية، إلا أن المغرب فقط يستفيد من تشغيل اليد العاملة، لأن معظم الشركات هي أجنبية وتستورد كل ما تحتاجه من مواد أولية من الخارج. مما جعل اقتصاد الوطني يعاني من معيقات هيكلية عميقة، أبرزها ثقل الأعباء الطاقية والمديونية ناهيك عن تناقص الإنتاجية وتنافسية بعض القطاعات الكلاسيكية (كالنسيج مثلا). تنضاف إلى هذه النقائص، استمرار وجود مشاكل بنيوية عميقة كالتفاوتات الاجتماعية والجهوية، إضافة إلى اتساع رقعة الفقر والهشاشة والبطالة، والظواهر المثبطة لمناخ الأعمال كالفساد واقتصاد الريع، المتغلغل في كل مفاصل مؤسسات الدولة. فكيف يمكن إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني، للخروج به من تبعية؟
يتحقق ذلك بالاعتماد على سياسة حكيمة ورشيدة في تدبير القطاعات والأنشطة الاقتصادية بدأ بالقطاع الأول “الفلاحة والصيد البحري”، وإعادة النظر في مخططاتهم والاهتمام بدرجة الأولى بتحقيق الأمن الغذائي عوض استنزاف الموارد الطبيعية خاصة المياه السطحية والفرشات الباطنية، باستغلالها المفرط، لإنتاج مواد زراعية يبقى تصديرها للخارج رهين لتحولات والتغيرات الدولية، أما فيما يخص القطاع الثاني الصناعة إعطاء الأولية للمقاولة المغربية واهتمام بصناعة الغذائية، واعتماد على كفاءة المغربية حيث كشفت جائحة كورونا أن المغرب يتوفر على موارد وآلياته تقنية وطنية تغنينا عن الاستيراد من الخارج، ورصد كل مؤهلات التي تزخر بها البلاد لتأهيل هذا القطاع وتوفير كل الوسائل اللوجستيكية والتحفيزات الضريبية، للمقاولات الصغرى والمتوسطة لتشجيع الاستثمار من طرف الشباب المغربي. ودعم التصنيع في المنظومة الصحية والطبية، دون اغفال تشجيع التكوين لتطوير المقاولة المواطنة، واهتمام بالاقتصاد الرقمي والتكنولوجي.
في مجال التربية والتعليم إعطاء الأولية في سياسات العمومية لتطوير آليات الاشتغال في المنظومة التربوية، وكذلك بالنسبة لقطاع الصحة والإنجاز المشاريع ذات الأهمية لتطوير البنيات التحتية، بدعم الابتكار في المجال البحث العلمي، لتأهيل النسيج اقتصادي لاستيعاب خريجي المعاهد والجامعات والمدارس العليا، للاستفادة من موارد البشرية والكفاءات المغربية.
في مجال الاجتماعي، الإسراع بإخراج السجل الاجتماعي الموحد للوجود، لإيصال الدعم للفئات الفقيرة والهشة، والتي تعاني من الأوضاع المزرية، بتحسين القدرة الشرائية للأسر المغربية عامة، وللمواطن خاصة، واستمرار صندوق الدعم الذي أنشئ لتخفيف من جائحة كورونا، بإعطاء الدعم لحاملي الشواهد المعطلين عن العمل، والذين يعانون من معضلة البطالة.
في ميدان السياحي إعطاء الأولوية لسياحة الداخلية، وغيرها من المشاريع والأوراش التي جاءت في الخطب الملكية، وكدا في البرامج الأحزاب السياسية التي يجب الإسراع في تنزيلها وتفعيلها، لتحقيق النموذج التنموي المنشود.