إسماعيل سطوري
بعيدا عن التعصب والتطرف الإيديولوجي والانزلاق نحو النزعات العرقية، سيتطرق هذا المقال إلى معرفة من استوطن شمال إفريقيا المغرب الكبير، وماهي أهم الحضارات التي قامت ونشأت فيها؟ ومن هم السكان الأصليون؟
منذ ظهور الإنسان العاقل هومو سابيانس، “أدم كروموسوم، حواء ميتاكوندرية”، منذ حوالي 400 ألف سنة، بدأ بالعصر الحجري القديم، بالضبط الحضارة الآشولية، نسبة لسانت آشول بفرنسا، ما عرف بالإنسان المنتصب، مرورا بالعصر الحجري الأوسط الذي شهد تعاقب حضارتين الموستيرية والعاتيرية، “الموستيرية ما بين 120 ألف سنة قبل الميلاد إلى 40 ألف سنة ق.م.”؛ “العاتيرية ما بين 40 ألف سنة ق.م. إلى 20 ألف سنة ق.م.”؛ ثم العصر الحجري الأعلى الحضارة “القبصية / القفصية” وتنقسم إلى الايبيرية بشبه الجزيرة الايبيرية، والوهرانية بشمال إفريقيا؛
فالحضارة القبصية بالمغرب الكبير، ظهرت منذ 21 ألف سنة ق.م. إلى 10 ألف سنة ق.م.؛ والتي تنقسم بدورها إلى الشرقية والغربية، امتدت إلى حدود 6 ألف سنة ق.م.؛ كانت لهم معتقدات بالحياة بعد الموت، وذلك نظرا لطريقة الدفن والمرفقات التي تدفن معهم؛
أول ظهور للجد الجامع للأمازيغ في شمال إفريقيا كان سنة 5600 ق.م.؛ نستنتج أن البربر شعب حديث، وليسوا أحفاد للقبصيين لأن أخيرين عاشوا في زمن أدناه 6 ألف سنة ق.م.، والطفرة تحتاج أكثر من 500 سنة، والذي تنتسب له قبائل الليبو التي تتكون من: الليبو، المشوش، التحنو، التمحو؛ فما هي أصولهم وموطنهم؟
حسب ابن خلدون: يجمع البربر جذمان عظيمان هما: برانس وماذغيس، شعوب يمانية هما كتامة وصنهاجة، تركهما أفريقش بن صيفي بإفريقية؛ نزوح هذه القبائل إلى المغرب يعود إلى القرن 4 ق. م.
موطن بلاد البربر من ليبيا غرب النيل إلى المحيط الأطلسي؛ وترجع الأصول الليبو من البربر، كنعانية حامية حسب ابن خلدون، نظرا للاحتكاك بالفينيقيين القرن 12 ق. م.؛ وذلك راجع لصراع مع بني إسرائيل بقيادة يوشع ذا نون، ثم الملك داود في حدود القرنين 10 و9 ق.م.؛ ثم صراعهم مع الآشوريين والبابليين، سبيهم من طرف نبوخذ نصر الثاني القرن 6 ق.م.؛ فنتج عنه هجرات الكنعانيون الى شمال افريقيا. من خلال ذلك برز الملك شيشنق الذي ترعرع جده الخامس عشر في مصر، القرن 10 ق. م.؛ والذي يعود التقويم الأمازيغي لفترة حكمه؛
التمحو أصولهم من أوربا الوندال، نزوح شعوب الشمال الأوربي قبائل الجرمان، نظرا لظروف الطبيعية وهجوم قبائل الشمال، وكدا غزو الشعوب الهندو أوروبية؛ تسبب في استيطان هذه القبائل بشبه الجزيرة الايبيرية، ثم هجرتهم الى شمال إفريقيا بعد صراعهم مع الإمبراطورية الرومانية.
المشوش حسب هيردوت أصولهم من طروادة، القرن 15 ق. م.؛ بعد صراعها مع التحالف الإغريقي والذي تسبب في حرقها؛ ثم احتكاك الثاني بالإغريق بين القرنين 8 و6 ق. م.؛ بعد صراعهم مع الفينيقيين ثم الرومان، وسيطرتهم على البحر المتوسط؛
إذا رجعنا للأساطير جمع أسطورة، لا يقصد بها الخرافة، بل نقصد بها تلك القصة والحكاية التي لها صبغة مقدسة، نجد في أسطورة أليسا وبناء قرطاجة، من الهجرات الفينيقيين التي جاءت إلى شمال إفريقيا، تتحدث عن الليبيون، والملك الليبي الذي أراد الزواج منها؛ كذلك نجد أنه كان قبلها تبادل تجاري بين الفينيقيين والسكان المحليين بشمال إفريقيا.
كما نجد في الميثولوجيا الإغريقية تتحدث أن الإله بصيدون إلاه البحر هو نفسه إلاه المحيط الأطلسي وبنفس الاسم المتداول عند السكان الموريون بالمغرب، وكذا هرقليس في صراعه مع عنتي، ثم زواجه من تنجيس، كما يبرز لنا اسم أطلس هو إلاه، يشتهر بحمله قبة السماء على كتفيه، بعد عقاب الإله زيوس له، ويعتقد البعض أن جبال الأطلس تنسب له، بعد تحوله الى سلسلة جبال الأطلس حسب الأسطورة؛
هذه هجرات الإغريق أو ما يسمى سكان البحر إلى الشمال الإفريقي، كما نجد نزوح في العصور الجليدية عندما اجتاح الجليد الشمال الأوربي، هجرات لقبائل الجرمان إلى شمال إفريقيا، وأن الظروف الطبيعية والمناخية كانت مناسبة في العصر النيوليتي، بداية النشاط الزراعي لدى إنسان، وانتقاله من الرعي نحو الزراعة؛ كما أن هناك احتكاك الأفارقة السود وصعودهم إلى الشمال، وحدوث مناوشات بينهم وبين مملكة موريطانية في المغرب.
البربر الأمازيغ اسم أطلق على أقدم السكان المعروفين عند بداية الأزمنة التاريخية، في الشمال الإفريقي، وهم جماعة إثنية ولها تاريخ وانتماء حضاري مشترك، ليس لهم عرق محدد حسب الدراسات الجينية، بل مجموعة من الشعوب مختلفة الأعراق عمرت شمال إفريقيا بعد سكانها الأصليين والذين هم القبصيين. باعتبار أن إحدى معاني الأمازيغ هو الانسان الحر، والذي يستدل منه أنه انتصر وتحرر على من كان يستعبده؛ فعند الأوروبيين، فالبربر أصلهم شعوب يافتية أوربية، تدعمها تشابه اللغات الجرمانية والأمازيغية واللهجات البربرية، وفي المراجع العربية شعوب سامية، وعند ابن خلدون حاميون، تنتسب إلى أمازيغ بن كنعان، أما الطوارق الملثمين ينتسبون إلى قحطاني الحميري من اليمن.
ويستدل على ذلك بتشابه في الموسيقى والمباني، وتشابه اللهجات البربرية واللغة العربية، والكتابة الليبية القديمة والكتابة الحميرية، وكدا التزاوج بين القبائل وانتقال العادات والتقاليد.
مسألة الأعراق ونزعات العرقية، وبروز إيديولوجية القومية، كلها إفرازات ستظهر أول مرة في التراث اليهودي الإسرائيلي، وفي كتبهم، لعدة أسباب غالبا تكون سياسية؛ ثم سيتحول المفهوم ويتطور في القرن 19 م، ويأخذ أبعاد أعمق بظهور النظرية الداروينية، التي سينتج عنها في بداية القرن 20، ما يسمى بالداروينية الاجتماعية، وتبناها مجموعة من المفكرين والعلماء في أوربا؛ أسفر ذلك عن كارثة عندما أمنت بها دول، أهمها ألمانيا، والتي ستدفع إلى اندلاع الحرب العالمية الأولى والثانية، وإبادة الأعراق الأدنى، في معسكرات “Aktion t4″، وإنشاء أقفاص حيوانات وإدخال البشر إليها، ويستمر ذلك إلى غاية السبعينات من القرن العشرين.
أما في التراث الإسلامي، فعندنا أن البشر كلهم أبناء آدم، وآدم من تراب، أما العرق العربي اندثر العرب الأقحاح، منذ الكوارث الطبيعية التي عرفتها جزيرة العرب، منذ عصور طويلة، فقط هناك عرب مستعربة.
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “إنما العربية اللسان”، فيقصد بها في التراث الإسلامي، فكل من يتحدث باللغة العربية فهو عربي، فيه إشارة إلى العرب بعدم التفاخر وفي نفس الوقت إقرار بوجود تعدد لغوي في المجتمع الإسلامي ولهذا حافظت المجتمعات غير العربية على لغتها الأصلية خاصة في المجتمعات التي شهدت اندماج العرب مع غيرهم كشمال أفريقيا؛ إلى أن جاءت الانظمة التي سمت نفسها قومية وحاولت تنميط المجتمعات وفق ايديولوجيتها فتولد هذا الصراع الذي وجدت فيه القوى الاستعمارية فرصة لخلق كيانات تخدم مصالحها وتخلخل تماسك هذه الشعوب خاصة على مستوى العلاقات الاجتماعية.
نستنتج أن شمال إفريقيا كانت مؤهلة بالسكان، وتعرضت لعدة هجرات من جميع أنحاء المعمورة، فتم التعايش وتبادل الثقافي بينهم، فالتمازج العرقي حقيقة لا تحتاج إلى بحث أنثروبولوجي لإثباتها، فهي تتألف من عناصر غير متجانسة، انصهر بعضهم مع بعض، لكون المغرب الكبير عموما بلاد الانفتاح والتعايش؛ كانت هناك صراعات ولكن لم تصل إلى حدود الإبادة الجماعية لتلك السكان؛ فمصطلح الإبادة الجماعية، سيظهر بظهور الإمبريالية في القرنين 19 و20، وبداية احتلال الفرنسي لشمال إفريقيا خصوصا وإفريقيا عموما.