ندى ناجي
تفاعلا مع ما يعرفه العالم اليوم من تأثير لجائحة كورونا يلعب الإعلام دورا حاسما في إيصال المعلومة للعموم، هذا الدور كما لاحظ أغلبية المثقفين والمهتمين بالمجال سيف ذو حدين، ففي الوقت الذي اعتمدت فيه بعض المنابر الإعلامية على قوتها الإعلامية من أجل التوعية والتحسيس والتواصل مع الأطباء والمتخصصين والجهات الرسمية، ذهبت منابر إعلامية أخرى، إلى جانب استغلال بعض المستخدمين لوسائل التواصل الاجتماعي في نشر إشاعات وتمويهات بعيدا عن النسق العام للظرفية الأمر الذي تعاملت معه المؤسسات الرسمية في مختلف الدول بسن قوانين تحد من هذه الممارسات، تختلف حدتها بين الغرامات المالية والعقوبات الحبسية.
في هذا الإطار، وتجاوبا مع مجريات الساحة الثقافية العالمية نظم مختبر الدراسات الأدبية واللسانية وعلوم الإعلام والتواصل بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس بالتنسيق مع مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية بالرباط ندوة دولية عن بعد تحت عنوان “الإعلام وتدبير الأزمات”، وذلك يوم الأربعاء 24 يونيو على الساعة الخامسة مساء على الصفحة الرسمية للمركز على موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك.
ساهم في تفعيل الندوة دكاترة ومثقفون من دول ومدن مختلفة: فمن المغرب شارك في الندوة من جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس كل من الدكتور يونس لوليدي والدكتور هشام المكي والدكتور السهلي بلقاسم والدكتور محمد القاسمي الذي تكلف بإدارة الندوة، إلى جانب الدكتور محمد الركراكي من المعهد العالي للإعلام والتواصل بالرباط ، ومن الجزائر شاركت وشارك كل من الدكتورة تبر قاسمي من كلية الإعلام والاتصال جامعة الجزائر 3 والدكتورة ابتسام صولي من جامعة محمد خيضر والدكتورة جير زهرة من جامعة مصطفى اسطمبولي، والدكتور سلامي اسعيداني (جامعة محمد بوضياف ، ومن السودان شاركت الدكتورة هبة محمد اسماعيل عبد الله من جامعة أم درمان، وقام بالإدارة التقنية والفنية للنشاط الطالب الباحث محمد الشنتوف من جامعة سيدي محمد بن عبد الله.
استهل الندوة الدولية الدكتور محمد القاسمي بالترحيب بالحضور الكريم والمتدخلين الأجلاء تقديمه ليمر بعد ذلك إلى تقديم الدكتور يونس لوليدي، أستاذ بجامعة سيدي محمد بن عبد الله والذي قدم في إطار هذه الندوة الدولية ورقة بحثية بعنوان ” التدبير الإعلامي للأزمة بين الإعتراف بالأزمة وإنكارها”.
انطلقت مداخلة الدكتور يونس لوليدي من تصور نشره باتريك لاغارديط Patrick Lagardette في دراسة صادرة سنة 1986م يرى فيه أن هناك ثلاثة اختيارات إعلامية يمكن الرجوع إليها في التعامل مع الأزمات وتدبيرها:
• الاختيار الأول: الشفافية القائمة على المعلومة الواضحة والكاملة.
• الاختيار الثاني: التمييز بين ما يمكن الإعلان عنه فورا وما يمكن تأخير الإعلان عنه.
• الاختيار الثالث: إخفاء المعلومة.
وهو ما قارنه الدكتور لوليدي مع ما قدمه جون بيير في دراسة له سنة 1991م، يرى فيها أن هناك خمس طرق في تدبير الإعلام للأزمات:
• الطريقة الأولى: رفض وإنكار تواجد الأزمة.
• الطريقة الثانية: تجاهل الأزمة وعدم ذكرها.
• الطريقة الثالثة: كبش الفداء أي تحميل المسؤولية لشخص أو جهة معينة.
• الطريقة الرابعة: الاعتراف بالأزمة وقبولها.
• الطريقة الخامسة: الخلط بين الأشياء المختلفة والمتناقضة.
وانتهى في تحليل هذه الاختيارات والطرق إلى تقديم تصوره الخاص للإستراتيجيات الممكنة للتعامل الإعلامي مع الأزمات إزاء أنظمة الدولة أو مسؤول معين في جهة رسمية ويمكن تلخيص هذه الاستراتيجيات على الشكل التالي:
• الإستراتيجية الأولى: الاعتراف بالأزمة. وهي استراتيجية تقوم لدى للدكتور لوليدي على عنصرين أساسيين هما الشفافية والصرامة، وتلزم الجهات المعنية لتقديم الشرح والتفسير اللازمين للإعلام، بخصوص الأزمة وأسبابها، وسبل مواجهتها وحلها، والخطوات المزمع القيام بها من أجل تفادي الوقوع في الأزمة نفسها مستقبلا. هذه الإستراتيجية تقدم صورة محترمة عن المسؤولين لدى الرأي العام، شريطة أن يكون الهدف من الاعتراف هو تحمل المسؤولية الكاملة بشكل مباشر، وليس اعترافا جزئيا هدفه التهرب من المسؤولية والمماطلة.
وبهذا الخصوص قدم الدكتور لوليدي نماذج عديدة يستخدمها المسؤولون للتهرب من المسؤولية والمراوغة من بينها: تشارك المسؤولية مع جهات أخرى أو أشخاص آخرين، لعب دور الضحية، التمييز بين النظام ومؤسساته والمسؤولين عن هذه المؤسسات.
• الإستراتيجية الثانية: تحويل انتباه الرأي العام إلى مواضيع ثانوية وفرعية. وهذه الاستراتجية تتضمن اعترافا جزئيا بالأزمة لكنها تسعى إلى توجيه الرأي العام عن طريق الإعلام نحو مواضيع جانبية ترفع عنها مسؤولية التعامل مع الأزمة، من خلال طرح أسئلة متعددة، من قبيل: من المستفيد من الأزمة؟ هل هناك عدو خارجي؟ وهي أسئلة يلعب فيها المسؤولون دور الضحية، وتفتح الباب أمام نظريات المؤامرة، بعيدا عن تحمل المسؤولية.
• الإستراتيجية الثالثة: مقاومة الأزمة عن طريق الإنكار والرفض. وهي استراتيجية تعمق الأزمة حسب الدكتور يونس لوليدي، إذ يقوم فيها المسؤولون برفض تقديم تصريحات أو أي إدلاء بخصوص الأزمة، وهو ما يفتح الباب أمام المنابر الإعلامية للتسابق من أجل نشر سبق صحفي، غالبا ما يكون مغلوطا أو مشوها فتضيع الحقيقة بين سطوره. وهو اختيار يفسره الدكتور يونس لوليدي بأمل المسؤولين أن ينسى الرأي العام الموضوع أو يمل الإعلام من تتبعه.
خطورة استراتيجية إنكار الأزمات إعلاميا تتجاوز انتشار الإشاعات والأخبار المغلوطة إلى مهاجمة المنتقدين ومعاقبتهم، واعتبار أن المسؤول من حقه أن يحافظ التزام الصمت وهي استراتيجية تلغي كل مقومات الحوار الإجتماعي وكل عناصر الشفافية والوضوح.
هذا الخطاب الإنكاري حسب الدكتور يونس لوليدي يقوم على مغالطات وتناقضات داخلية صارخة. ومن أجل تقريب المتتبعين من الصورة أكثر عرض الدكتور نموذج “منطق المرجل المثقوب” الذي قدمه فرويد Freud سنة 1905م والذي يقوم على “الإنكار” ثم “الاعتراف” ثم “الهروب من المسؤولية” ونموذج الرئيس الفرنسي السابق ” Valéry Giscard d’Estaing” في تعامله الإعلامي مع مختلف الاتهامات التي وجهت إليه بخصوص بيعه للألماس بأثمنة زهيدة، إذ يقوم كلا النموذجين على ما اصطلح عليه الدكتور يونس لوليدي” إنكار فاعتراف فهروب إلى الأمام”.
تلت مداخلة الدكتور يونس لوليدي، مداخلة الدكتور سلامي اسعيداني تحت عنوان: ” أزمة المعالجات الإعلامية العربية في ظل جائحة كورونا، نحو تأسيس للإعلام الصحي المختص”. وقد عاد فيها إلى الباحث “أديب غفور” الذي ميز بين نمطين لمعالجة الأزمات هما: المعالجة السلبية والمعالجة الإيجابية المتكاملة، ليمر بعد ذلك إلى تقديم مختلف الاتهامات التي تبادلتها الدول في ظل جائحة كورونا مستعرضا مجموعة من الأخبار الكاذبة التي تم ترويجها في كل من مصر والعراق وسوريا. متأديا إلى تقسيم معالجة وسائل الإعلام الناطقة بالعربية لأزمة كورونا إلى ثلاث مراحل: المرحلة الأولى: تم فيها تبادل الاتهامات وتحميل المسؤوليات، والمرحلة الثانية تم فيها نشر أخبار زائفة متعلقة بالفيروس، وفي المرحلة الثالثة تم تقليص مصادر المعلومة وتخصيص الجهات الرسمية بها.
المداخلة الثالثة كانت للدكتور محمد الرغراغي، وتحمل مداخلته عنوان “الإعلام المغربي المكتوب وأزمة كورونا: أية معالجة إعلامية في ظل الحجر الصحي”. وقد قدم خلالها وضع الإعلام المغربي في ظل جائحة كورونا وطريقة تعامله معها، فضلا عن توضيح الصعوبات التي تواجه الإعلاميين عند تعاملهم مع مستجد متغير كفيروس ِكوفيد – 19.
وبعدها، أخذ الكلمة الدكتوس السهلي بلقاسم لعرض مداخلته المعنونة ” إعلام الأزمة والمتغيرات القيمية”. وقد استهلها بتحديد المفاهيم أولا لينتقل بعد ذلك إلى مناقشة خصائص أزمة كورونا إعلاميا وطرق تعامل الإعلام معها، إلى جانب المقارنة بين التعامل الإعلامي مع أزمة كورونا المستجدة وبين باقي أنواع الأزمات التي شهدها العالم في الماضي القريب والبعيد.
ثم انتقل التدخل بعد ذلك إلى الدكتورة تبر قاسمي للحديث عن “التخطيط الإعلامي ودوره في مواجهة الأزمات” حيث انطلقت أيضا من ضبط المفاهيم المعتمدة، لتمر إلى تقديم ملاحظاتها حول المواد الإعلامية المقدمة في ظل جائحة كورونا، والتي بينت أنها كانت ميالة بشكل كبير إلى التوعية والتحسيس بروح المواطنة والتكامل وغيرها من القيم الإنسانية النبيلة، مشيرة إلى مسألة تجفيف منابع المعلومات المتعلقة بالفايروس بالنسبة لمختلف الإعلاميين وتخصيص لجنة وحيدة مسؤولة عن التواصل مع المواطنين بهذا الخصوص، وذلك بشكل يومي. وفي الأخير قدمت الدكتورة تبر تصورا عن التخطيط الإعلامي، والذي لا يكون إلا من خلال تحديد ثلاث نقط هي: الهدف من الخطة والموارد البشرية والمادية والجمهور المستهدف. مؤكدة على أهمية الوعي بالتخطيط المسبق في مواجهة الأزمات .
التدخل بعده كان للدكتورة جير زهرة بعنوان: “الخطاب الديني في وسائل الإعلام في زمن الجائحة”، حيث استعرضت مختلف الفتاوى التي قدمها شيوخ وفقهاء بالجزائر في إطار جائحة كورونا، وقامت بمقارنة بين الفتاوى المتساهلة التي تتفهم ظرفية جائحة كورونا منها فتاوى تبيح الإفطار في رمضان وإغلاق المساجد وإلغاء صلاة الجماعة وغيرها، وبين فتاوى تقدم حلولا بديلة كتوفير مقياس الحرارة بالمساجد وغيرها. وفي الختام طرحت الدكتورة محورين دعت إلى مناقشتها في مناسبة لاحقة، وهما المقابلة بين الفتاوى الجماعية والفتاوى الفردية، والمقابلة بين الخطاب الطبي والخطاب الديني، مشيرة إلى أن الخطاب الطبي احتل الصدارة في هذه الجائحة وتم اعتباره أساسا لكل القرارات بينما الخطاب الديني، والذي كان يحتل الصدارة دائما أصبح ثانويا.
ثم انتقلت الكلمة إلى الدكتورة ابتسام صولي، في مداخلة بعنوان: ” الضوابط القانونية في تعامل الإعلام مع الأزمة” حيث قدمت قراءة في قانون الإعلام الجزائري، واستعرضت مختلف الضوابط المفروضة على الصحفي، من قبيل: الصدق والشفافية، والموضوعية، واحترام متطلبات الدولة والأمن القومي والنظام العام، وعدم تعريض أشخاص للخطر. لتحدد بعد ذلك أن دور الإعلام في ظل الجائحة في كونه يعتمد أساسا على التوعية دون تهويل أو تخويف. ثم انتقلت إلى المقارنة بين المواد المتضمنة في الدستور وبين وقانون الإعلام الجزائريين، مستخرجة مختلف التناقضات والتفاوت بين العقوبات المنصوص عليها فيهما.
وبعد ذلك، تناولت الدكتورة هبة محمد اسماعيل عبد الله في مداخلتها موضوع “معالجة الإعلام السوداني للأزمات” فقسمتها إلى محورين أساسين: الأول يخص أهمية الإعلام في تدبير الأزمات الصحية، والثاني يتعلق بالإعلام السوداني وتدبيره للأزمات الصحية، حيث تحدثت عن مختلف طرق التوعية الإعلامية التي استفاد منها السودانيون في ظل جائحة كورونا، ومن بينها: نشرات إخبارية تواصلية، اتصالات هاتفية، سكيتشات ودراما توعويتين. كما قامت من خلال هذه النماذج بإحداث مقارنة بين طريقة معالجة السودان لأزمة كورونا وبين طريقة معالجته لأزمات صحية سابقة على رأسها الكوليرا وحمى الشيكونغوليا أو ما يصطلح عليه في السودان بحمى “الكنكشة” .
عقب التدخلات تم فتح باب النقاش أمام المتتبعين للإدلاء بآرائهم واستفساراتهم عبر “التعاليق” في تفاعل مباشر مع السيدات والسادة المتدخلات والمتدخلين.