الكتابة الفلسفية لتلاميذ البكالوريا… توجيهات ونصائح

بقلم الأستاذ والفاعل الجمعوي : محمد مرزوق

يقول سقراط في محاورة فيدر: « يجب أن تقر يا فيدر، على أن كل خطاب يجب أن يكون ككائن حي، له جسد خاص به، له وسط وأطراف، حيث كل أجزائه مترابطة فيما بينها ومترابطة مع المجموع ككل. » ( جمهورية أفلاطون: محاورة فيدر ص 149 ).
يتضح إذن من هذه المحاورة أن الدرس الفلسفي يجب أن يخضع لتخطيط مسبق، وبناء يبنى على التماسك والترابط المنطقي بين أجزائه، حيث يكون العقل هو المتحكم والموجه للتلميذ في الكتابة الإنشائية الفلسفية.
إن رهان النجاح في الكتابة الإنشائية الفلسفية يتطلب من التلميذ مهارة وقدرة حقيقية على الإبداع الذاتي، الذي لن يكتسبه إلا بجهوده الشخصية في القراءة والكتابة والاطلاع على النصوص الفلسفية. فلا يمكن لتلميذ لا يقرأ إلا من أجل الامتحان أن يجيد الكتابة الإنشائية الفلسفية بطريقة احترافية.
الانشاء الفلسفي كتابة إذن، إنه نص مثبت بواسطة الكتابة، فالكتابة هي حياة الفكر، إنها نمط تمظهره الخارجي، هذا التمظهر الذي يجعله ممكنا، ولعل هذا هو ما قصده هيجل بقوله: « إننا نفكر داخل الكلمات ». فالإنشاء الفلسفي كتابة يمارسها التلميذ، وهي كتابة يشتغل فيها على قدراته اللغوية والفكرية والحجاجية، ولا يمكن بأي حال، مهما بلغ نضج هذه الكتابة أن نرفعها إلى مستوى الكتابة الفلسفية كما يمارسها الفيلسوف، خاصة وأن هذا الأخير يشتغل انطلاقا من فلسفته الخاصة.
لكن ما يلاحظ في انجازات التلاميذ الكتابية سواء في امتحانات البكالوريا أو في اختبارات المراقبة المستمرة جملة من الصعوبات والعوائق التي تعوق امكاناتهم وقدراتهم وتجعلهم غير راضين ومطمئنين لمستوى كتاباتهم. وإذا اعتبرنا أن الهدف من الكتابة الإنشائية الفلسفية هو ممارسة التفلسف أي فعل التفكير وتشغيل المتعلم في إطار تفكير تحليلي ونقدي، ينطلق من نص أو سؤال مباشر أو قولة، فإن الصعوبات والعوائق التي تعترض التلاميذ لا تخرج عموما عن السياقات التالية:
o صعوبة قراءة عبارات الموضوع من حيث الشكل المنطقي واللغوي للصياغة المطروحة، فيصعب عليهم الفهم وتحديد دلالة المفاهيم الواردة في الصياغة، بحيث غالبا ما تكون قراءة التلاميذ لمحتوى الموضوع سريعة وسطحية واختزالية ينقصها الدقة والتمعن والقراءة المتأنية والمتكررة التي تساعدهم على الفهم الجيد للموضوع.
o صعوبة كتابة تمهيد مناسب للموضوع، حيث غالبا ما نجد جل التلاميذ يستظهرون أفكارا ومعلومات حفظوها عن ظهر قلب وبعيدة عن المضمون، وهذا ما يجعل المصحح أمام أوراق متشابهة.
o صعوبة التنظيم الفكري والمنهجي لعناصر الإجابة، وترتبط هذه الصعوبة عادة بمجموعة من الانحرافات والاختلالات منها ما هو شكلي ( القدرة اللسانية ) ومنها ما هو فلسفي ( القدرة المعرفية ) مثل مراكمة أفكار لا يربطها رابط منطقي، خلو بعض الأفكار من المعنى، أو استعراض الأمثلة والأقوال دون تحليلها، أو التفكير التحصيلي كاجترار الفكرة نفسها أو تكرارها كما وردت في النص.
o الاعتماد على السرد والحفظ والاستظهار وعرض الأفكار دون روابط منطقية بين الجمل والفقرات والمواقف.
o صعوبة في طريقة التعامل مع المواقف الفكرية والفلسفية، إذ غالبا ما يتخذ التلاميذ أثناء التعامل مع أطروحات الفلاسفة في لحظة المناقشة إما موقفا وثوقيا أو موقفا سلبيا، حيث يقدمون كل فيلسوف معزولا عن الآخر، ولا نجد أي حوار بينهما، فتغيب لديهم عناصر الفكر الفلسفي النقدي اليقظ، ويظهر ضعف التفكير الجدلي أو روح المناقشة.
o إبداء الرأي الشخصي دون توضيح وبدون حجاج، وهذا خطأ يرتكبه أغلبية التلاميذ.
إذن نستنتج أن معاناة التلميذ مع مادة الفلسفة في سلك البكالوريا هي في جوهرها معاناة تتعلق بمنهج الكتابة الّإنشائية الفلسفية. فنحن نجد الكثير من التلاميذ يمتلكون معارف فلسفية لا بأس بها أو يحفظون الدروس عن ظهر قلب، ولكنهم مع ذلك لا يتمكنون من إنجاز كتابة ّإنشائية جيدة وفي المستوى المطلوب. والأسباب في عمقها تتعلق بضعف الأسلوب الممنهج في الكتابة.
وفي الأخير، أقول لكم أعزائي التلاميذ عزيزاتي التلميذات إن الإنشاء الفلسفي تجربة ذاتية يحضر فيها الإبداع الحر والتفلسف وممارسة التفكير بكل جرأة وشجاعة كما أكد ذلك الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط، بعيدا عن النمطية والجاهزية والاستباقية، كما أن الإنشاء الفلسفي مجال لإبراز مهارات عقلية وقدرات تفكيرية تفترض أن التلميذ اكتسبها في درس الفلسفة ( الأشكلة – المفهمة – الحجاج ) والمؤشر الأساسي على جودة الإنشاء الفلسفي هو حضور التفكير الذاتي للتلميذ فيه.