بقلم : بناوي عبد الرحمان*
استطاع وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي أن يرفع من سومته في بورصة الأعلام السياسية وأن يحظى برضى الأسر المغربية بفضل ما أبان عنه من حنكة في تدبير القطاع خاصة في زمن الجائحة. الرجل الوافد من رئاسة جامعة محمد الخامس والذي تزخر خزانته بالشواهد والدبلومات العليا من مؤسسات ومعاهد وجامعات داخلية وخارجية مصنفة، يثبت يوما بعد آخر جدارته وأهليته على تدبير شؤون التربية والتكوين، وقد تمكن من البقاء على رأس قطاع ساخن، يعج بالملفات الآسنة والمرتجة لأكثر من سنتين خلافا لسابقيه الثلاثة الذين عصفت بهم رياح السياسة أوزلزلت أقدامهم هزات الغضب أوالتعديل.
الوزير الحركي الذي آتاه الله مالم يؤته بعض وزرائنا الحاليين والسابقين، فحباه الله من الأناقة نصيبا، تلعثم في أكثر من مناسبة وخانته لغة الضاد في عدة منتديات وكان محط سخرية للبعض، تمكن من شحد لسانه و صقل ملكته اللغوية واكتساب قدرة على الخطابة والإقناع خطف بها الأبصار و بوأته أن يكون ناطقا رسميا باسم الحكومة يخاطب الصحافة بفصاحة ويقارع محاوريه بطلاقة ويفاوض بشراسة ويدافع ويرافع بل يتفوق أحيانا ويسكت مسائليه من النواب والمستشارين و الفضوليين بدفوعاته الواقعية و إحصائياته الدقيقة والمحينة.
سجل عنه التاريخ أنه تناول ملفات مطلبية عمرت في ردهات الوزارة وظلت تراوح مكانها، فعالج ملف شيوخ التربية الذي تقاذفته أرجل الوزارات المعنية والنقابات والتنسيقيات والأحزاب والطفيليين والمزايدين منذ عهد سلفه الوفا الذي اعترف بمظلوميتهم وهم بمعالجته لكنه لم يعمر ورحل سريعا، فكانت لأمزازي الجرأة على تناوله والمرافعة عليه وإقناع زملائه والحسم في ترقية ضحايا النظامين ابتداء من 2012 وهو ما أنصف وأثلج صدور العديد ممن يزاول منهم أو ركن إلى تقاعده.
ورغم الوتيرة البطيئة التي يدبر بها الحوار القطاع والتي تشوبها الرتابة و المماطلة أحيانا لربح الوقت فقد خاض في العديد من الملفات الفئوية واعترف بوجاهة أغلبها، وعبر عن استعداده لطيها وإصدار مراسيم تعديلية لإنصاف ذويها كتلك المرتبطة بالإدارة التربوية ومسلك الإدارة والتوجيه والتخطيط والتفتيش وحاملي الشواهد، وهي ملفات ظلت حبيسة الرفوف ورهينة الإكراهات المالية ومشروطة بمصادقة وزارتي المالية والوظيفة العمومية. ولم تعد الآن تتحمل المزيد من الانتظار ولايقبل ذووها أن تنضاف جائحة كورونا إلى تلك المعيقات أو تكون ظروف البلاد الراهنة مدعاة للتلكؤ أو للتراجع عن ما تم التقدم أو الحسم فيه من ملفات فئوية.
أمزازي الذي اهتدى في عز الأزمة إلى اتخاذ قرارات جريئة تهم أكثر من ستة ملايين تلميذ وطالب و مكون و غيرهم من أطر الإدارة والتربية والتكوين وجب أن نقول له أحسنت لما أوقفت الدروس الحضورية واستبدلتها بدروس عن بعد حماية لطلاب المدارس و رواد المعاهد وحفظا لسلامة البلاد و العباد من شر تفشي وباء في أوساطنا المدرسية والأسرية وجنبتنا الأسوأ من تبعات داء قض مضاجع الأمم ضعيفها وقويها. فأصبت لما قررت تعليما عن بعد بديلا للدروس الحضورية وضمانا للاستمرارية البيداغوحية، وقد عبأت لذلك الأطقم الإدارية والتربوية والتقنية التي رابطت بمختلف الأكاديميات والمديريات والمؤسسات لإنتاج موارد رقمية عدت بالآلاف وأغنت الرصيد البيداغوجي والديداكتيكي للمدرسة المغربية، كما تم تسخير القنوات العمومية والمنصات الإلكترونية للتواصل بين المدرس والمتمدرس رغم ما سجل من غياب لتكافؤ الفرص بين المتعلمين على اختلاف مجالاتهم الجغرافية والاجتماعية والثقافية.
ومن جملة الإجراءات الاحترازية التي أقدمت عليها وزارة أمزازي تلك المتعلقة بمواعيد الامتحانات وتأجيل أو إلغاء بعضها مجنبا الناشئة مرة أخرى الاختلاط وعاقبة الوباء وكاشفا عن مصير هذا الموسم الدراسي الاستثنائي الذي كلف الأسر العبء النفسي و المزيد من النفقات، ويكون بذلك قد نزع فتيل الاحتقان والتوتر لدى التلاميذ والآباء والأولياء الذين انضافت إليهم غمة المآل المجهول للمسارات المهنية لبناتهم وأبنائهم إلى هم الجائحة وما أفرزته من تغيير في نمط الحياة وتنام للعنف الأسري أحيانا، كما أنقذ السنة الدراسية وتفادى سنة بيضاء قد تضيع العمر الدراسي للمتعلمين وضمن كذلك سلامتهم وأمن مبدأ تكافؤ الفرص بينهم.
يبقى على الوزارة إذن أن تقيم وتقوم تجربة التدريس عن بعد وتستثمر نقاط قوته وتتجاوز نقائصه وإخفاقاته من أجل تبنيه واعتماده بديلا ناجعا للتدريس الحضوري في القادم من الأيام إزاء كل طارئ صحي أو بيئي أو اجتماعي.
فاعل تربوي و جمعوي