بقلم /نجيب الأضادي
في زمن ما عرف بالربيع العربي، كان الرهان كبيرا على إسقاط العديد من الأنظمة السياسية العربية أو ،على الاقل، إرباكها و اقحامها في متاهات لا حصر لها في إطار ما سمي آنذاك بالفوضى الخلاقة في إطار استراتيجية الشرق الأوسط الجديد. وحدهم المغاربة فطنوا إلى هذه اللعبة و استطاعوا ، بذكائهم الجماعي، حماية بلادهم و نظامهم السياسي، و الحفاظ على وحدتهم الوطنية و تجنيبها من فخاخ الفتن و التقسيم، دون أن يمنعهم ذلك من القيام بإصلاحات شاملة و شجاعة و تدشين مسار تنموي على جميع المستويات.
ساعتها لم يفهم الأعداء و الأصدقاء على السواء سرّ هذه الممانعة العجيبة و القدرة الهائلة للمغرب على امتصاص الصدمات و المؤامرات، الخارجية و الداخلية معاً. فكان عليهم العودة شيئا ما إلى التاريخ ليتبين لهم أن الملكية بالمغرب هي صمام الأمان و الركيزة الأساس لنظام سياسي أصيل و متأصل، يختلف عن غيره من الأنظمة المركبة أوالهجينة؛ نظام له تاريخ طويل و حائز على كل مقومات الشرعية و المشروعية، التاريخية منها و الدينية/الروحية، و الدستورية/ القانونية، و الديمقراطية/ الشعبية، و الاصلاحية/التنموية.
لكن ثمة شرعية أخرى تعزز الشرعيات المذكورة، بل هي حصيلة كيميائية لخليط تلك الشرعيات، والمقصود هنا الشرعية الدولية. هذه الأخيرة ليست مرتبطة فقط بآليات الاعتراف المعمول بها في إطار القانون الدولي، و لكن بقدرتها على التمدد خارج الحدود و التأثير في مجريات الأحداث و الوقائع، إقليميا و قاريا و جهويا. و هذه الميزات النادرة لنظامنا السياسي، مردها إلى اكتساب الحكمة في معالجة المشكلات الطارئة حتى و لو كانت تفوق قوتها قدرات البلاد على التحمل، كما حصل في المرحلة الاستعمارية و كما يحصل اليوم من تحرشات و مؤامرات متعددة و مختلفة، التي تحاك ضد بلادنا من الأعداء و حتى من ذوي القربى.
هذه العوامل و غيرها أكسبت المغرب قدرات كبيرة على التكيف مع تحولات العالم من حولنا. و لأننا في زمن عولمة غير مأمونة الجوانب والعواقب، فإن المغرب ارتأى تحصين نفسه واعتماد ديبلوماسية متوازنة ينآى بها عن الاصطفافات و التقاطبات الدولية التي لا تفيده مباشرة في قضاياه الحيوية و على رأسها قضية وحدته الترابية. ما عدا ذلك فهو منخرط في كل ما من شأنه أن يعزز الأمن و السلم الدوليين و احترام سيادة الدول في إطار الشرعية الدولية. و هذه أسباب كافية تجعل المراقبين يفهمون لماذا يستطيع المغرب أن يجمع، و بدون مشاكل، في شبكة ديبلوماسية واحدة كل من أروبا و أمريكا و روسيا والصين… إنها ديبلوماسية الاحتياط أو اليقضة الدبلوماسية التي دفعت المغرب الى أن يعدد شركاءه الاستراتيجيين و عدم الارتهان و الاطمئنان لطرف دون آخر، ففي السياسة ليست هناك عداوات دائمة و لا صداقات دائمة، ولكن هناك مصالح دائمة. و المغرب نجح إلى حد بعيد في تعزيز حضوره الاقتصادي و العسكري عبر بناء موقع جيو – استراتيجي هو بمثابة معبر يغري مصالح القوى الكبرى في العالم سواء في أفريقيا أو في حوض المتوسط.
على المغرب أن يستفيد، إلى أقصى حد، من الظروف الدولية الراهنة المتسمة بالتقاطبات الحادة بين القوى النافذة في العالم. و يظهر من خلال التوجهات الديبلوماسية الجديدة، أن المغرب على وعي بهذه الرهانات، فهو يملك أوراقا ضاغطة بإمكانه أن يحسم عدة مواقف لصالحه و أنه لا مجال للقبول بمزيد من التلاعب و التجاذب بقضاياه الحيوية و على رأسها قضية الصحراء.
يكفي أن نلاحظ أن استقبال وزير الخارجية الروسي لافروف لم يمنع ناصر بوريطة من الذهاب إلى واشنطن و الاتفاق على ترتيبات المرحلة المقبلة في المنطقة. و في انتظار زيارة بلادنا قريبا من طرف الرئيس الروسي و الرئيس الصيني و ملك إسبانيا و بابا الفاتيكان، أصبح المغرب لاعبا دوليا مطلوبا. هذا هو الأهم و ما تبقى كله تفاصيل ديبلوماسية.