كلمة فاتح ماي 2023
الأخوات والإخوة الكونفدراليات و الكونفدراليين.
الأخوات والإخوة في الهيآت السياسية والحقوقية والجمعوية والحركات الاجتماعية الحليفة للطبقة العاملة وعموم المأجورين والكادحين.
الأخوات والإخوة في وسائل الإعلام الوطنية و الدولية.
ضيوفنا الأعزاء.
باسم المكتب التنفيذي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، نحييكم تحية الوفاء، ونشكركم على حضوركم في فعاليات تظاهرة فاتح ماي 2023، ومن خلالكم نحيي الطبقة العاملة المغربية والعالمية وعموم المأجورين والكادحين عبر العالم، المدعوة إلى المزيد من الصمود والتضامن والوحدة لتحقيق أهدافها، وإنجاز مهامها بما يعود عليها وعلى شعوب العالم بالتقدم والازدهار والرفاه والسلام الدائم. ونترحم على شهداء الطبقة العاملة ومن فقدناهم خلال هذه السنة وعلى العمال الذين فقدوا حياتهم نتيجة الاستغلال في غياب الحماية وشروط الصحة والسلامة، ونجدد الترحم على فقيد الطبقة العاملة المغربية أخونا نوبير الأموي.
تخلد الكونفدرالية الديمقراطية للشغل ذكرى فاتح ماي لهذه السنة تحت شعار” لا لتدمير القدرة الشرائية، والمس بمكتسبات التقاعد، والإخلال بالاتفاقات الاجتماعية” وهو شعار يكثف الأوضاع الآقتصادية والاجتماعية للطبقة العاملة في ظل الارتفاع المهول لأسعار المواد الأساسية وفي غياب الإجراءات التي من شأنها حماية قدرتها الشرائية وتحسين دخلها بما يحفظ كرامتها. كما يعكس الشعار انشغالات الطبقة العاملة وهواجسها في ظل حكومة غير وفية بالتزاماتها ومصرة على الإجهاز على ما تبقى من حقوق ومكتسبات عبر مخططات طبقية نيوليبرالية تصفوية.
الأخوات والإخوة
تخلد الطبقة العاملة عيدها الأممي لهذه السنة والعالم يعيش الأزمات على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية. وهي أزمات نعتبرها من صميم بنية النظام الرأسمالي، ونتيجة لإصرار الرأسمالية العالمية على فرض واستدامة هيمنتها السياسية والاقتصادية على دول وشعوب العالم، مستعملة كل أذرعها العسكرية والمالية والإيديولوجية، واستعمال الطاقة والغذاء كسلاحين استراتيجيين في حروبها الجديدة، ما أدخل العالم في دوامة من غلاء أسعار المواد الأساسية وبلوغ التضخم مستويات قياسية غير مسبوقة، وركود اقتصادي قد تضطر الإنسانية للعيش تحت وطأته لمدة قد تطول.
إن مستقبل الإنسانية مرتبط بالتحولات الكبرى التي يعرفها عالم اليوم، والتي ستنعكس على المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وخصوصا على مستوى الشغل ومهام الحركة النقابية، وستعاني منها الطبقة العاملة وعموم الشعوب المستضعفة.
الأخوات والإخوة
إن محيطنا الإقليمي لن يكون بعيدا عن هذه الأزمات، في ظل لعبة التوازنات الكبرى التي ستشهدها المنطقة، مما يتطلب تنمية وعي شعوب المنطقة و على رأسها الطبقة العاملة، من أجل خطوات أولى نحو التحرير والتحرر والديمقراطية والانعتاق وبناء شروط نهضة حضارية قوية تعيدنا إلى التاريخ من بابه الواسع، وتمكننا من استرجاع فلسطين دولة حرة مستقلة على كامل أراضيها التاريخية، وحل كل النزاعات الإقليمية والصراعات المسلحة، واسترجاع السيادة على قرارنا السياسي والاقتصادي والثقافي. والطي النهائي لملف قضيتنا الوطنية بما يضمن وحدة الأرض والشعب المغربي، فقضية تحصين وحدتنا الترابية الوطنية واستكمالها ستظل كما كانت دائما في صدارة أولوياتنا ولن نسمح في شبر من ترابنا الوطني.
الأخوات والإخوة.
إن بلادنا تعيش أزمة بنيوية مركبة، تتداخل فيها العوامل الخارجية والداخلية، وأسبابها العميقة مرتبطة بالاختيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فقد عملت الدولة على إغلاق المجال السياسي وإفساده وربطه بالريع والفساد والولاء وصناعة الأحزاب والنخب على المقاس، بما يبقي وضعية الاستبداد والممارسة الصورية للديمقراطية بواسطة انتخابات فاسدة وصناعة الخرائط السياسية والمؤسسات الشكلية التي لا علاقة لها بالإرادة الشعبية. مع الإبقاء على المقاربة الأمنية الجاثمة على أنفاس المواطنين، والقامعة لكل أشكال التعبير والرأي والاحتجاج والحريات الفردية والجماعية.
إن الحكومة الحالية تمثل الوجه الحقيقي لاختيارات الدولة القائمة على الجمع بين السلط من جهة، والجمع بين السلطة والمال من جهة أخرى، وما يمكن أن ينتج عن هذا الجمع من مفاسد سياسية واقتصادية، تنعكس على الواقع الاقتصادي والاجتماعي لعموم الجماهير الشعبية.
وخلافا لكل الوعود والبرامج الانتخابية، عملت هذه الحكومة على تعميق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية بدل معالجتها. فقانون المالية لسنة 2023 يتضمن كل أنواع الاختيارات الاقتصادية والمالية الطبقية الهادفة إلى المزيد من تركيز الثروة في يد حفنة صغيرة تجمع بين السلطة والمال، وامتيازات ودعم لامشروط للرأسمال الريعي الاحتكاري، مقابل المزيد من التفقير في حق أوسع فئات جماهير شعبنا، واللامبالاة اتجاه ما يعيشه المغاربة من غلاء مهول في أسعار المواد الأساسية، وارتفاع معدل التضخم، وتزايد عدد الفقراء بما يفوق ثلاثة ملايين شخص، وتزايد أعداد العاطلين، وارتفاع نسبة الهدر المدرسي، وتردي منظومة الصحة العمومية.
لهذا طالبت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل طيلة هذه المرحلة عبر بلاغاتها ومن خلال المراسلات الموجهة للحكومة ومن داخل البرلمان، باتخاذ إجراءات عملية وملموسة وآنية لحماية القدرة الشرائية للمغاربة عبر تسقيف الأسعار وهوامش الربح وتخفيض الضرائب على المحروقات والتصدي لكل أشكال الاحتكار والتفاهمات والمضاربات، والإعفاء الكلي من الضريبة على القيمة المضافة بالنسبة للمواد الغذائية الأساسية. لكن الحكومة للأسف ظلت غير مبالية، بل إنها تملصت أيضا من التزاماتها اتجاه الطبقة العاملة وعموم المأجورين، الواردة في اتفاق 30 أبريل 2022م، وخصوصا الالتزامات المرتبطة بآليات تحسين الدخل كالزيادة العامة في الأجور، ومراجعة أشطر الضريبة على الدخل وإحداث درجة جديدة للترقي ومأسسة الحوار الاجتماعي وحل النزاعات الاجتماعية ووقف التسريحات الجماعية للعمال واحترام الحريات النقابية والميز النقابي ومراجعة القوانين الانتخابية المهنية وغيرها من الالتزامات التي وقعت عليها الحكومة.
الكونفدرالية الديمقراطية للشغل ظلت وفية لمبادئها وهويتها واحترمت التزاماتها مع الشغيلة وخاضت معارك نضالية بدء بالمسيرات الاحتجاجية يوم 19 فبراير 2023 والاضراب العام في الوظيفة العمومية يوم 18 أبريل 2023 المرفوق بوقفات احتجاجية على المستوى الوطني. وعبرنا بوضوح من داخل جلسة الحوار الاجتماعي يوم 20 أبريل 2023 عن احتجاجنا على عدم وفاء الحكومة بالتزاماتها وأكدنا أن الحوار الاجتماعي يجب أن يستحضر ويقدم أجوبة حقيقية على السياق الاجتماعي المطبوع بالأزمة الخانقة، كما أن الحوار وتوقيع الاتفاقات دون تنفيذها يجعله فاقدا للمصداقية ويعمق أزمة الثقة في المؤسسات. لقد كانت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل واضحة، لا يمكن تجزيء الاتفاق وفق مصالح أي طرف، كما أن الغلاء الغير مسبوق يقتضي إجراءات آنية ملموسة لحماية القدرة الشرائية للفئات والشرائح المتضررة.
الأخوات والإخوة
إن الطبقة العاملة مستعدة دوما للمساهمة في كل المبادرات البناءة والهادفة إلى جعل بلادنا تواجه التحديات، انطلاقا من مرتكزات حقيقية لبناء الدولة الاجتماعية، وإشراك حقيقي للحركة النقابية في القرارات والسياسات العمومية. فالأزمة لازالت مستمرة، مما يجعلنا نتخوف من الآتي، خصوصا عندما نستحضر الانعكاسات الاجتماعية لهذه السياسات اللاشعبية، وهذه المخططات الهادفة إلى تصفية الخدمات العمومية وتفكيك الوظيفة العمومية والإجهاز على المكتسبات الاجتماعية للطبقة العاملة وعموم المواطنين والمواطنات.
إننا، أكثر من أي وقت مضى، في حاجة إلى نقد جريء لواقعنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، ولمجمل الاختيارات والسياسات العمومية التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم، ولن يتأتى هذا النقد إلا في ظل حوار وطني شامل وعلى أسس واضحة بما يعيد الثقة للعملية السياسية وللمؤسسات التمثيلية، والارتقاء بميثاق مأسسة الحوار الاجتماعي إلى قانون ملزم لكل الأطراف على كل المستويات، وإشراك حقيقي في ظل حماية الحريات النقابية وتوفير الشروط الضرورية للمساهمة الجماعية في البحث عن الحلول والبدائل للمشاكل القائمة.
الأخوات والإخوة
إننا في الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، لازلنا على العهد، مستعدون لمواجهة كل المخططات الرامية للنيل من كرامة ومكتسبات وحقوق الطبقة العاملة وعموم المواطنات والمواطنين، ومستعدون لتقديم كل أنواع التضحيات من أجل:
– إصلاحات سياسية تفضي إلى ديمقراطية حقيقية في أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
– إحترام الحريات العامة وإطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين والمدونين والصحفيين ونشطاء الحراكات الشعبية.
– احترام الحريات النقابية، والتصديق على الاتفاقية الدولية رقم 87 و إلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي.
– تنفيذ الالتزامات المتضمنة في اتفاق 30 أبريل 2022 وخصوصا: الزيادة العامة في الأجور، وإحداث الدرجة الجديدة للترقي، ومراجعة أشطر الضريبة على الدخل…
– تنفيذ ميثاق مأسسة الحوار الاجتماعي وفتح الحوارات القطاعية المسؤولة والمنتجة، المفضية إلى اتفاقات تستجيب لمطالب الشغيلة.
– التصدي لمخطط الإجهاز على مكتسبات التقاعد.
– التصدي لمخطط الإجهاز على حق ممارسة الإضراب، كوسيلة ضغط في يد الطبقة العاملة أمام جهات لا تلجأ للحوار إلا في أوقات الأزمات. ورفض إجراء الاقتطاع الذي يمس الحق الدستوري في الإضراب.
– مواجهة كل أشكال ضرب الخدمات العمومية عبر خوصصتها وتسليعها، وتفكيك الوظيفة العمومية ومأسسة الهشاشة من خلال التعاقد والمناولة والتدبير المفوض.
من أجل هذه المطالب ومطالب أخرى، ومن أجل حمل الدولة على تنفيذ وعودها والتزاماتها، وتسوية الدين الاجتماعي الذي في ذمتها، لم تتوان الكونفدرالية الديمقراطية للشغل عن اتخاذ ما يلزم من مواقف وقرارات نضالية جسدتها في:
– التجمعات الاحتجاجية ليوم 13 نونبر 2022م
– المشاركة في المسيرة الشعبية التي دعت إليها الجبهة الاجتماعية المغربية يوم 04 دجنبر 2022 بالرباط.
– المسيرات الإقليمية ليوم 19 فبراير 2023م
– الإضراب العام في الوظيفة العمومية المصحوب بالوقفات الاحتجاجية أمام العمالات والولايات يوم 18 أبريل 2023.
– المسيرة الوطنية المركزية التي سيتم الإعلان عن تاريخها لاحقا.
الأخوات والإخوة
إن الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، حاضرة ترافعيا وتفاوضيا في المؤسسات التمثيلية، وحاضرة نضاليا في الميادين والساحات، ملتزمة بقضايا الطبقة العاملة وعموم المأجورين والمواطنات والمواطنين، نائلة شرف المقاومة في زمن الصمت والانبطاح والموالاة، طامحة في بناء ميزان قوى سياسي ونقابي بمعية الحلفاء لصالح جماهير شعبنا، وما ذلك بعزيز على نقابة نذرت نفسها وأبناءها لذلك، واستطاعت الصمود والتصدي في أصعب اللحظات. فلنكن جميعا في مستوى اللحظة، ولنعمل على تقوية تنظيماتنا النقابية، ولنرفع من مستوى تعبئتنا ومواصلة النضال. ولن نتنازل عن أي التزام أو تعاقد اجتماعي كما لن نقبل أي مساس بمكتسبات الطبقة العاملة في التقاعد، لن نسمح أن تتم السرقة من جيوبنا ومن أعمارنا، وسنظل أوفياء لهويتنا الكفاحية منحازين لقضايا وطننا وجماهيره الشعبية.
عاشت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل.