الرئيسية / الرأي / الحرية الدينية في الغرب بين الشعار والتطبيق

الحرية الدينية في الغرب بين الشعار والتطبيق

د. بشير المساري

المواطنة المتساوية .. التعايش .. تعدد الثقافات .. الدين لله والوطن للجميع .. عدم ازدراء الأديان.. شعارات زينت الحضارة الغربية بها نفسها طويلا وتم تصديرها إلى العرب والمسلمين كقيم إنسانية عليا يجب احترامها لكن ما هو موجود هناك هو محاكم التفتيش لتغيير دين المسلمين ولكن عن طريق مسميات نفاقية تلميعية لجريمة الجبر على التحول الديني باتفاق أوربي ” فقد أعدَّت الدُّوَل الأوربيَّة وغيرها خُطَطًا مُحكَمة لصَهْرِ المسلمين لديها في مُجتَمَعاتها، وأطلقت على ذلك: الدمج الاجتِماعي” ().
فماكرون يطلق مصطلحات مثل إسلام التنوير، أو الإسلام الفرنسي، واحترام القيم العلمانية؟ ومحاربة النزعات الانفصالية ومنع الانعزالية الإسلامية، كما خطب في ضاحية باريس في أكتوبر من 2020م ويتحدث في لقاء مع مجلس شكله بيده في فبراير من 2023م أنه أغلق 900 مسجد ومؤسسة إسلامية، ويفخر أنه نفذ نحو 28 ألف تفتيش للمساجد والمراكز الإسلامية وتحت هذه الإجراءات يتم الدمج .. والتذويب .. وطمس الهوية بتغريب ثقافة الأقليات .. منع المظاهر الإسلامية في المؤسسات والمنتديات كالحجاب، والمايوه الساتر، وخضوع منع الأذان في بعض الدول للاقتراع .. ونتساءل عن أي انعزال يتحدث ماكرون؟ إذا كان المواطن الفرنسي المسلم يطبق القانون ويحترم مبدأ التعايش، هل لن يكون مواطنا صالحا إلا بأكل الخنزير وشرب الخمر والزواج المثلي (الشاذ) وترك الأسرة لقيم الجندرة والانسلاخ من الإسلام؟ إنهم يطلقون مصطلحات فقاعية تستهمج العقول وتستغبيها وإنما هدفهم التذويب التام .. وليس مجرد الانفتاح والتعايش بل تدوير الهوية ليتحول المسلم إلى غير مسلم سواء علماني مسيحي لاديني بوذي المهم لا إسلامي.

وهناك من الدول ترفض الاعتراف بالدين الإسلامي رسميا عدا القليل منها رغم وصول الأقلية إلى الملايين أحيانا .. ثمة إجماع أوربي همجي على ازدراء الدين الإسلامي عن طريق تناوب تلك الدول على الإساءة إلى كتابه المقدس بحرقه وإلى ورموزه برسوم مسيئة من مؤسسات استعمارية ساقطة ومنافقة أجمعت على ممارسة هذه الجريمة الهمجية وتشجيعها على كل المستويات وبطريقة متكررة ومقززة تكشف عن مستوى غير معقول من القبح والهمجية التي تحكم هؤلاء .. وليس كل الديانات تواجه هذا القمع فقط الدين الإسلامي لأنه دين تحرري مستقل يمتلك منهج حياة لأفراده وثقافة متكاملة وبه هزم بعنفوان تسيد ثقافة الإنسان الغربي وتسلطه على ما يراها أطرافا تابعة لقطبيته المتفردة.

ثانيا- من إجراءات التحويل الديني القسري غير الظاهرة تتَبُّع أجيال المسلمين الناشئة في الغرب إلى الجيل الثاني والثالث و” يرى مهندسو الاندماج الغربيون أنه لا يوجد أمل في تغيير ذهنيات أو عقليات وشخصيات الجيل الأول من المهاجرين بما ينسجم مع مفردات الحياة الغربية. ولذلك يجب أن تخصص جهود جبارة لتغريب الأجيال التالية من الأبناء والأحفاد، الذين يعتبرون أكثر قابلية من آبائهم اندماجاً في الحياة الغربية، وذلك من خلال التعليم في المدارس والجامعات، والعيش مع الآخرين في الأحياء السكنية، والاختلاط معهم في الأندية الرياضية والمراكز الاجتماعية والثقافية وغيرها.
يقر هؤلاء الاستراتيجيون بأن رهانهم الأساسي يقع على الأبناء والأحفاد دون الآباء، أي الجيل الثاني والثالث من المهاجرين” () وهذا يعني أن الغرب يخطط لنتائج مستقبلية صفرية للوجود الإسلامي ولا تسمعوا كثيرا لأحاديث أسلمة الغرب وتحول الناس إلى الإسلام فهم يعرفون ماذا يريدون، فقد جندوا لذلك مؤسسات مثل المؤسسة المدنية بهولندا السوسيال التي تعمد إلى خطف الأطفال لأتفه الأسباب وتنشئتهم على الثقافة الغربية وعن طريق إدخالهم في جميع الأنشطة المدرسية ذات التربية الانحلالية وإيلاء أطفال المسلمين عناية خاصة حتى تتشرب قلوبهم بحب الثقافة الغربية المنفلتة وكره أسرهم وثقافتهم، أما الأبناء من أم أوربية فغالبا يكونون من نصيبها وإذا كانت مسيحية فهي المتحكم الأول بصياغة ذهنيتهم.
من هنا نفهم انزعاج ماكرون مما أسماه الإسلام الإنعزالي ويريد به الإسلام المتشبث بالثقاة الخاصة، فهذه الجزر الدينية لا يريدها يريد صهر الجميع في بوتقة ثقافته وإلا بدأ الحديث عن تعشعش الإرهاب الذي يراد به الإسلام، في حين أن اليهودي والهندوسي والسيخي والبوذي بزيهم المتميز وطقوسهم الخاصة يتمتعون بممارسة حريتهم الكاملة، بل وتحرص تلك الدول على إبراز ثقافتهم ليقولوا نحن منفتحون على الحضارات، ولكنه الانفتاح الانتقائي.

وتأسيسا على ما سبق فإن ثمة تهديدات جدية بتذويب المسلمين في المجتمعات الغربية وهناك دراسة عن مؤسسة (بيو للأبحاث) في الولايات المتحدة الأمريكية تشير إلى أن عدد الأشخاص الذين تحولوا للإسلام في الولايات المتحدة يساوي العدد ذاته للذين تخلوا عنه، أي 23%، وهو الأمر الذي لم يحدث مع بقية الديانات” ().
صحيح أن بعض الخبراء أشار إلى أن العينة أجريت على الشيعة القادمين من إيران بصورة أخص ولكن الحديث هنا عن الولايات المتحدة الأمريكية التي هي أكثر الدول الغربية تسامحا مع الديانات لا سيما في ظل الحكومات الديمقراطية فكيف بدول متشددة مثل هولندا، وفرنسا، والدنمارك وغيرها؟

قد يبرز محام من حماة ثقافة التغريب باعتراض على هذا الطرح قائلا إن هذه بلدانهم وهم أحرار بها، وكان على العرب والمسلمين أن يبقوا في بلدانهم وشكرا للغرب أنه قبل بإيوائهم.

والجواب من عدة نقاط:
1- ليس الحديث عن المهاجرين بدرجة أولى بل عن الأوربيين المسلمين الذين حصلوا بالقانون على الجنسية، أو أنهم من أصل أوربي، أو أنهم ولدوا أوربيين وصاروا أقلية مجتمعية مثلهم مثل المسيحية في الدول العربية والمسلمة وكل أقليات الديانات بما فيها تلك الملل والنحل الغريبة منذ بزوغ الإسلام ولم يجد اليهود في القرون الوسطى سوى بلاد المسلمين للفرار من بطش المسيحيين واضطهادهم .. ولا يتدخل الحكام في اختيار بطارقتهم وبابواتهم .. ولم نسمع من يزدري دينا من الأديان إلا بنقاش علمي مسؤول .. ولم نسمع مسؤولا مسلما ولا مواطنا يشكو من صجَّة أصوات أجراس الكنائس المزعجة على مدار اللحظة لأنهم يحترمون أصحاب الديانات الأخرى كون الحفاظ على دياناتهم دين من رب العالمين قال الله : (… وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) ().

2- اقتضى تناقص الآيادي العاملة في الدول الغربية، بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية وتضخم الصناعات وتفكك الأسرة وقلة الإنجاب استقدام عمالات من العالم الثالث مع مراعاة التنوع والتوازن في الجنسيات وكان منهم المسلمون فصار :” يسهم مئات الآلاف العمال الأجانب في اقتصاديات دول أوروبا المتطورة والتي بحاجة إلى الأيدي العاملة” تقول العربي بوست :” يعود إلى حاجة الاقتصاد الغربي والأوروبي تحديداً للمزيد من السكان بشكل عام، والمزيد من القوى العاملة، خاصة الزهيدة، وذلك في سبيل الحفاظ على التوازن السكاني وبعث الحيوية والروح في الواقع الاجتماعي والاقتصادي الغربي، خصوصاً في ظل التضاؤل الرهيب للنمو السكاني وتراجع معدلات الإنجاب المحلية ().

3- لم يقل الغرب أن بلدانهم هناك في القارتين الغربية حين قدموا لاستعمار جميع العالم واستنزفوا خيراتها وتركوا شعوبها فقيرة وجرفوا ما قدروا عليه من السكان للعمل عندهم كسخرة أو بأجور متدنية، ولا يزال الغرب قواعده وشركاته ومصالحه في جميع أنحاء العالم، فأولى أن يقال على الغرب أن يرفع يده عن الشرق وليس العكس.

شاهد أيضاً

كلمة رئيس الملحقة الإدارية الزهوريعطي انطلاق عملية النظافة بحديقة موسكو منفلوري فاس

عملية تحرير الملك العام بمنطقة المسيرة بالتوفيق السيد الباشا المحترم فاس

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *