متى يتحرر العقل العربي؟
إنسان فقد أولاده وزوجنه وكل عائلته في الزلزال فعوضًا ان نواسيه في مصيبته التي حلت به، نقول له: إن هذا الزلزال سببه عصيان الله!!
أحياء كاملة دمرها الزلزال بسبب إهمال الدولة، وعدم اعتماد إجراءات السلامة، والغش في مواد البناء، أو أن مدة البناء انتهت صلاحيته، نقول: أن الزلزال جاء بسبب استماع الناس للموسيقى فحق على الله أن يأخذهم بعقابه!!
أم تموت ومعها أحد عشر ابنًا من أبنائها وحفيد، ثم نأتي لنقول: أن الله أنزل عقابه على هؤلاء بسبب غضبه ومقته على فساد الناس وظلمهم!!
لا أدري إلى متى سنُعاني من هذه العقول؟ ولا أدري متى يتحرر العقل العربي من كل هذه الأوهام والخرافات والخزعبلات والتبريرات التي يخرج بها علينا المشايخ، والعوام من الناس، كلما نزل في الأرض بلاء أو وباء، وما حادثة كورونا عنا ببعيد، إذ خرج علينا كل مشايخ الأرض يومها، إلا ما رحم ربي، أن الله أرسل كورونا ليُعاقب أهل الصين على أكلهم لكل دواب الأرض، وفسقهم، وفسادهم؛ فاستحقوا عقاب الله عز وجل، فلما وصل الوباء بلاد المسلمين أُخرسوا فلم نعد نسمع لهم حسًا.
وبالله نستعين وباسمه الرحمن الرحيم نقول:
1- ينتج الزلزال عن هزة ورجّة في الأرض، أو سلسلة من اهتزازات نتيجة حركة الصفائح الصخرية داخل الأرض بسبب مؤثرات جيولوجية. تُعرّف الهزات: بأنها ظاهرة كونية فيزيائية بالغة التعقيد، وهي حركات عشوائية للقشرة الأرضية على شكل ارتعاش وتحرك وتموّج عنيف، بسبب انطلاق كميات هائلة من الطاقة من باطن الأرض.
2- الزلازل والبراكين والأعاصير والفيضانات والصواعق والوباء والموت والمرض والكسوف والخسوف والحياة والصحة والازدهار والرخاء و … كل ذلك يجري وفق سنن كونية، وقوانين طبيعية، لا تُحابي أحدًا، ولا تتغير لأجل أحد قال تعالى: (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنَّ الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته ولكنهما آيتان من آيات الله فإذا رأيتموهما فصلوا” (صحيح البخاري).
3- الزلزال كان ضرره على الأحياء الفقيرة، حيث الأبنية المتهالكة والمتصدعة، وطال الفقراء من الناس والأطفال والنساء، ولو كان ذلك انتقامًا من الله بسبب ذنوبهم ومعاصيهم واستماعهم للموسيقى؛ فمدينة (لاس فيغاس) الأمريكية أولى بالعذاب والانتقام؛ ففيها كل موبقات الأرض، وأمريكا وإسرائيل أكثر أمم الأرض فسادًا وإفسادًا؛ فلماذا لم ينتقم الله منهم؟ وانتقم من أهل سوريا المهجرين المشردين الهاربين من ويلات حرب أكلت الأخضر واليابس؟
4- اقتضت سنة الله في عباده، أن يُرسل عليهم كل يوم ما يُشعرهم بفقرهم، وبحاجتهم إليه؛ ليحثهم على العمل والإبداع والاختراع، فلا يستسلموا للكوارث والأمراض والآفات؛ فيبحثوا عن علاج للأمراض، وتفادٍ للكوارث، فقد جاء في حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم: “من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل”، ومعنى أدلج: تلمس طريقه في الظلمة، فالخوف من المرض؛ يجعل الإنسان يبذل قصارى جهده للبحث عن العلاج، ويدرس ويتقدم في الطب؛ كما فعل الأطباء للبحث عن علاج لفيروس السل والجدري والإيدز وكورونا وغيرها من الامراض التي لا تُعد ولا تُحصى، والخوف من الزلازل يجعل الإنسان يبحث ويرصد أي الأماكن أكثر عرضة للزلازل فيتنبأ بها قبل وقوعها؛ ليخفف أكبر قدر ممكن من الأضرار، ويبني المباني على أسس علمية تجعلها تقاوم الزلازل بكل أشكالها، ومهما كانت قوتها، وإن كثرة الفيضانات تدفع بالإنسان إلى بناء السدود للحد من كوارثها؛ وكل ذلك خدمة للإنسانية جمعاء، وطلبًا لرضى الله أولًا.
5- قال تعالى: (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا)، فالأرض هي الفاعل المباشر عن الزلزال، والله أوحى لها ذلك؛ جوابًا لسؤال الإنسان عما يحدث؛ (وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا، يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا، بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا)، وهو ليس أمر مباشر من الله، ولكن بل هو تطبيق لقوانين وفق نظام شمولي كوني، وسنن يعمل كل الوجود بمقتضاها.
6- الطبيعة تُدافع عن نفسها، فكلما تعدى الإنسان عليها؛ فأفسد فيها، فتعدى وغيَّرَ وبدل، فاستخدم الأسلحة النووية والقنابل العنقودية، وأسرف في العمران على حساب النباتات والأرض الخضراء، فدمرَّ وحطم وقتل، فهنا يأتي النظام الكوني الدقيق ليدافع عن نفسه، من خلال القاعدة التي تقول: لكل فعل ردة فعل، ليأتي النص القرآني موضحًا ذلك (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).
7- لا يُنسب السوء والدمار والخراب والقتل إلى الله، بل كل الخير يُنسب إليه، واقتضت حكمته ألا يطلع على غيبه أجدًا؛ فتأدبوا مع الله.
8- (وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا)، إن الله كل يوم يُرسل لنا الآيات بشكل فردي وجمعي، لعلنا نتوب ونرجع، ونحسن إلى الإنسانية جمعاء، ولكن للأسف إن فتاوى المشايخ قتلت من البشر في الحروب الطائفية والأهلية والمذهبية أكثر مما قتلت كل كوارث الأرض، وكذلك فعلت أطماع السياسيين، حيث جلبت أطماعهم من الحروب والويلات على العالم من قتل وتدمير ما يشيب له الولدان؛ ومن العدل والإنصاف أن ننسب كل ما يحدث لنا إلى أنفسنا وليس إلى الله، قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ).
9- 4- لقد شاء الله عز وجل أن تكون الحياة والصحة والأمن والأمان هي الأصل، والمرض والخوف والحروب والأوبئة والأمراض طوارئ، والأرض هيأها الله لكي تكون لنا مهادًا، قال تعالى: (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا)، وذللها لنا لنسعى فيها؛ قال تعالى: (لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا، وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا)، واقتضت حكمته أن الزلازل تعمل على زيادة خصوبة الأرض، وازدياد خضرة الأرض؛ بسبب تولد غاز ثاني أكسيد الكربون، وانتشار السوائل المعدنية في التربة وازدياد الكهربية. والله أعلى وأعلم.
أرجو من الله أن أكون قد وفقت، فما كان من صواب فمنه وحده سبحانه وتعالى، وما كان من خطأ فمن نفسي والشيطان، وقلة علمي وجهلي، فمهما بلغنا من العلم نبقى جهلة، والحكيم من فهمه وعلمه الله.
د. رهف محمد حنيدق 7/2/2023م
شاهد أيضاً
عامل إقليم الخميسات السيد عبد اللطيف النحلي يشرف على وضع الحجر الأساس لبناء مدرسة عبد الله بن مسعود بسيدي علال البحراوي
مهري/مروك24ميديا بمناسبة الاحتفال بالذكرى 69 لعيد الاستقلال المجيد ، وتماشيا مع التعليمات الملكية السامية للنهوض …