بـقـلـم : القطامي
بعد خطاب اليد الممدودة الذي طالب فيه العاهل المغربي من النظام الجزائر فتح صفحة جديدة في العلاقات بين الدولتين، و إستغلال الفرص من أجل النهوض بالإتحاد المعطل منذ نصف قرن و ترك الملفات الخلافية جانبا…، عاد العاهل المغربي في خطاب جديد ليؤكد بأن الرباط حسمت أمر الملف لصالحها، و أن القضية لم تعد محل نزاع، بل أصبحت “ميزان قياس” تعتمده الرباط في حكمها على العلاقات مع الدول الصديقة، ذلك أن الخطاب جاء هذه المرة يحمل عبارات متحدية لأكبر القوى العالمية و الأوروبية، إذ حدد ملك المغاربة ستة نقاط قوية تحسم الجدل في ملف النزاع، و تضع قيادتنا في زاوية مظلمة و يسلبها الإرادة حتى لا يكون لها خيارا أو رأيا في مصير الصحراء الغربية، و يجعلها عاجزة عن الوفاء بالعهود و الوعود التي قطعتها للشعب الصحراوي.
هذا الخطاب يبدو أنه أغلق باب المبادرة التي تقدم بها ملك المغرب إلى الجزائر، و التي لم يرد عليها قصر المرادية، بل زاد من تصعيد لهجته العدائية التي أغضبت الجامعة العربية و العواصم الأوروبية، و تركز الخطاب على شقين أولهما يخص القضية الصحراوية و ملف الخلاف مع الرباط، و الثاني يخص الجالية المغربية و الشأن الداخلي للإدارة المغربية في تعاملها مع شعب المهجر، و بالعودة إلى نص الخطاب و الشق الخاص بالصحراء الغربية و الذي يهمنا، يتضح أن ملك المغرب إختار عبارات جد قوية و متحدية، و هو يخبر أن الإعتراف الأمريكي لا يرتبط برؤساء أمريكا و لا يتأثر بنتائج الانتخابات هناك، و أن ساكن البيت الأبيض كان جمهوريا أم ديمقراطيا عليه الإقتناع بأنه إعتراف موثق في عمق الإدارة و المؤسسات الحاكمة لأمريكا و يستحيل تغييره، و هذا تحدي جديد من ملك المغرب للإدارة الأمريكية الحالية، و رد صريح من أعلى سلطة في دولة الإحتلال، على كل ما جرى الترويج له في الإعلام الصحراوي و الجزائري، على أنه مجرد تغريدة للرئيس “دونالد ترامب” ستزول مع زوال الرجل.
ثاني التحديات التي أتى بها الخطاب أن ملك المغرب تحدث إلى إسبانيا بلغة قوية، و من موقف المتحكم في دائرة العلاقات، حيث قال أنه “يثمن” الموقف الإسباني، و إستخدام عبارت “نثمن” من أجل إصدار حكم قيمة على الموقف الإسباني، بأن الرباط راضية على التحول الكبير الذي طرأ على الرأي الإسباني، خصوصا و أن الملك قال في خطابه بأن إسبانيا تعرف أدق تفاصل الملف و المشكلة، و هذا يعني أن ملك المغرب تعامل مع إسبانيا بمنطق الأستاذ الذي جعل التلميذ يصحح خطأه، كي يشمله برضاه و يمنحه ما يستحق من الثناء.
الوضع الثالث في الخطاب الذي يظهر قوة العبارات، هو ربط ملك المغرب بين قضية الصحراء و الصداقات مع الدول، و اعتباره أن الصحراء الغربية هو المنظار الذي تنظر به الرباط إلى العلاقات مع الدول، بمعنى أن لا صداقة و لا شراكة و لا عهود…، مع دولة تخالف الرباط في الرأي بخوص قضية الصحراء، و هذا منتهى التحكم و القوة في تدبير العلاقات و الذي لا يمكن للدولة الصحراوية أن تفرضه، لسببين، الأول أنها لا تملك وسائل الضغط و القوة، و الثاني لأنها على سلم القياسات لا تتوفر على المؤسسات السيادية القوية التي تسمح لها بربط العلاقات مع دول من العالم الأول.
في المحور الرابع نجد الخطاب يشكر و يمتن للدول الأوروبية الأخرى التي أظهرت موقفا مساندا لما تسميه الرباط بـ “وحدتها الترابية” و تعترف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، و ذكرها بالإسم “البرتغال، هولاندا، إسبانيا، ألمانيا”، و لم يذكر فرنسا، بل قال الملك في خطابه أنه يريد مواقف واضحة من الدول الصديقة، و أن الحياد لم يعد متاحا في الشراكات و الصداقات، و هنا نذكر أن الخطاب و الإيحاء يشمل دولة موريتانيا التي تعتبر الحياد عمق فلسفتها السياسية، و أن الرباط مباشرة بعد الخطاب بدأت بالتحرك عسكريا في منطقة لكويرة لجر موريتانيا إلى موقف واضح، لأن منطقة لكويرة إن أعمرها المغرب فسيقضي على الإقتصاد الموريتاني و يشله، و على موريتانيا الإختيار بين الإقتصاد أو الحياد.
خامس الملاحظات أن الملك قدم في خطابه أرقاما و معطيات حقيقية لا يمكن نكرانها، و تتعلق بأن 40% من الدول الإفريقية، عبرت عن موقفها بصراحة من النزاع و اختارت الانزواء خلف الرباط في طرحها، و فتح تمثيليات دبلوماسية لها في المدن الصحراوية المحتلة، و هذا يعني أن المحتل يقترب من النصاب القانوني لعرض عضوية الدولة الصحراوية داخل المنتظم الإفريقي للتصويت، و هنا تكون قيادتنا أمام وضع جد خطير و مطالبة بالتحرك رفقة الحليف الجزائري لإصلاح الوضع.
فيما سادس المحاور القوية داخل الخطاب، تتعلق بموقف الدول العربية و شكر الملك لدول مجلس التعاون و الدول العربية التي ترفض الوقوف مع حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، و هو شكر مبطن يخفي ارتياح ملك المغرب من الموقف الأخير للدول العربية بخصوص القمة العربية التي سعت الجزائر بكل جهدها لتنظيمها فوق ترابها بمقاييس جزائرية و حسب هوى النظام الجزائري، لكن الإمارات و البحرين و السعودية و مصر و الأردن…، رفضوا المشاركة في القمة إذا ما لم تعمد الجزائر إلى إرسال دعوة رسمية للمغرب و احترام بروتوكول الجامعة، و هذا يعني أن لا مستقبل لقضيتنا عربيا.
بتجميع هذه المحاور نكون قد وصلنا إلى الحكم على أنه خطاب غير تقليدي و أنه أشبه بخارطة طريق جديدة أفصح عنها العاهل المغربي، تخص شروط الرباط للدخول في الشراكات مع الدول…، مما يعني أن المحتل المغربي أصبح في المستوى الذي يسمح له بتدبير علاقاته بأريحية مع دول العالم، دون الحاجة لتقديم تنازلات، و أن ملف الصحراء الغربية الذي كان يضعف الرباط سابقا و كان يسبب الإحراج الدبلوماسي للنظام المغربي، قد تحول إلى مصدر قوة الرباط، و أصبح أيضا سبب تعاسة قصر المرادية.