بقلم / محمد القاضي (*)
غداة انتهاء الحرب العالمية الثانية، بدأت العديد من المفاهيم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية تفقد معانيها الحقيقية وإلباسها معاني جديدة غريبة وملتبسة، وازداد هذا العمل المريب المتربص بمعاني العشرات من المصطلحات بعد إجلاء الاستعمار الفرنسي والانجليزي المباشر من إفريقيا وآسيا.
ومن أبرز المصطلحات التي أُسيء استخدامها نذكر مصطلح “العالم الثالث” الذي يتم استعماله في وصف شيءٍ لا يدل عليه، ليصبح معناه الملتبس دال على الدول الفقيرة والمتخلفة .
الوثائق التاريخية تشير إلى أن مصطلح “العالم الثالث” ظهر لأول مرة خلال فترة حرب النجوم أو ما يعرف بالحرب الباردة بين المعسكر الشرقي الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفياتي والمعسكر الغربي الليبرالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وتحديدا في سنة 1952 حينما استعمله الاقتصادي والديمغرافي الفرنسي “ألفريد سوفيه” في مقال له نشره، في السنة ذاتها، في مجلة فرنسية تدعى « l’observateur »، كان يعني به الدول التي لا تنتمي إلى المعسكرين الاشتراكي والليبرالي وتحديدا الدول التي كانت قد خضعت للاستعمار الأوروبي، وحققت استقلالها قبل سنة 1952، وهذا يدل على أن مصطلح “العالم الثالث” كان يدل على أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية في مقال “ألفريد سوفيه” الذي شبّه العالم الثّالث بالملكية الثالثة لفرنسا قبل الثورة ليختم مقاله بعبارة شهيرة قال فيها “هذا العالم الثالث الذي تم تجاهله، تم استغلاله وازدراؤه مثل العقار الثالث”.
الاستخدام الأول إذن لمصطلح بلدان “العالم الثالث” كان يطلق على الدول والبلدان التي لم تكن ضمن نفوذ المعسكرين الاشتراكي والليبرالي وبقيت على الحياد تقريبًا أي التي كانت خارج التحالفات إبان حقبة الحرب الباردة، وليس بالضرورة أن تكون فقيرة أو غنية، اشتراية أو رأسمالية.
فيما مصطلح بلدان “العالم الأول” أُطلق على الدول الرأسمالية التي تبنت شعار “الديمقراطية” وكانت في نطاق النفوذ الأمريكي، وكانت تجمعها مصالح سياسيةٍ واقتصاديةٍ متماثلةٍ بعد خروجها من الحرب العالمية الثانية وأهمها اليابان وأستراليا ودول أوروبا الغربية، بينما أُطلق على الدول التي تبنت الشيوعية والاشتراكية في إطار النفوذ السوفياتي ببلدان “العالم الثاني” وهمت،حينئذ،دول أوربا الشرقية والصين.
إلا أنه مع مرور الوقت، وتحديدا بعد إجلاء الاستعمار الفرنسي المباشر من شمال إفريقيا، تم اغتصاب دلالة مصطلح “العالم الثّالث” وتزوير مفهومه، حيث أصبح مرادفا للتخلف والبؤس، واستخدامه في نعت ووصف المستعمرات السابقة خصوصا التي تعاني من ارتفاع في معدل وفيات الأطفال الرضع، وانخفاض التنمية الاقتصادية وارتفاع مستويات الفقر وعدم القدرة على استثمار الموارد الطبيعية المتوفرة في البلد وتبخيس الديمقراطية بها بالاستناد إلى مؤشرات الحقوق السياسية والحريات المدنية والدخل القومي الإجمالي ومستوى التنمية البشرية وحرية المعلومة.
ويرى الباحثون أن بلدان “العالم الثالث” تعتمد في اقتصادها على اقتصاد الدول المتقدمة أي دول “العالم الأول” مما يؤدي إلى تفاقم ديونها الخارجية، بينما ثرواتها تهيمن عليها فئة معينة من النخبة في ظل عدم قدرة هذه الأخيرة على دعم النمو السكاني في بلادها وغالبًا ما يؤثر ذلك على الجانب السياسي لتعاني من حكوماتٍ غير مستقرةٍ وانقلاباتٍ عسكريةٍ وتنامي الاضطرابات والاحتقانات الاجتماعية والسياسية.
وفي الاتجاه الآخر، يقصد ببلدان “العالم الأول” التي توصف بـ”الدول المتقدمة” تلك الدول التي تتمتع بمعدلاتٍ عاليةٍ من التنمية الاقتصادية بالإضافة لأمور الحريات والحقوق الشخصية لمواطنيها، أمّا بلدان “العالم الثالث” فيقترح عدد الباحثين والأكاديميين تغيير تسميتها ب”الدول النامية” للدلالة على مسعاها وسعيها لتحسين معدلاتها الاقتصادية الاجتماعية وبالتالي ممكن أن تصل يومًا ما لمستوى الدول المتقدمة.
وتبعا لذلك، فإن مصطلح “الدول المتقدمة” يوحي لنا بأن هذه الدول تعيش الرفاهية والازدهار الاقتصادي والاجتماعي وأنها تتمتع بكل مقومات الحياة السعيدة والعيش الكريم وتحترم أسس وقيم حقوق الإنسان والديمقراطية والعدالة الإنسانية، بينما مصطلح الدول “المتأخرة” (أو المتخلفة أو السائرة في طريق النمو أو العالم الثالث)، يوحي لنا بأن مجتمعات هذه الدول تعيش ظروفا صعبة وتعاني من إشكالات اقتصادية واجتماعية وسياسية وأنها تعيش على مساعدات الدول المتقدمة.
ومن هذا السياق يتبادر إلى أذهاننا تساؤلا عريضا: هل فعلا وصف ” الدول المتقدمة” دال على معاني التقدم والازدهار واحترام حقوق الإنسان؟ هل فعلا وصف “العالم الثالث” دال على معاني التخلف والنكوص وازدراء حقوق الإنسان؟ ومن يساعد من منهما؟ ولماذا هناك تمايز بين بلدان العالم من حيث مستوياتها الاقتصادية والاجتماعية؟ وهل هناك أمل بالنسبة لدول “العالم الثالث” للانتقال إلى مصاف الدول المتقدمة؟
كلها تساؤلات وجيهة ومشروعة تستدعي التعامل معها بمقاربات واقعية وموضوعية لإبراز جوانبها الحالكة في تاريخ هذه الحقبة التاريخية المعاصرة.
منذ مطلع الستينيات إلى حدود اليوم، أصبح مصطلح “العالم الثالث” يدل على بلدان إفريقيا وأمريكا اللاتينية ودول من آسيا، وهي كلها مستعمرات سابقة ، حيث تعرضت إبان الحقبة الاستعمارية إلى استنزاف ثرواتها وتفكيك بنياتها السياسية والمؤسساتية وإبادة شعوبها وتهجيرعلمائها ونوابغها وإنهاك اقتصادها واختراق نسيجها الاجتماعي وتفكيك لحمته وتلاحمه بين مؤيدين للمستعمر ومحايدين ومقاومين له ومقتنصي الفرص وبراغماتيين.
وإذا كانت شعوب هذه المستعمرات السابقة قد تمكنت من دحر المستعمر الغاشم وإجلائه، فإن الفضل يرجع بالأساس إلى الحركات التحررية وفيالق المقاومة التي كافحت باستماتة ضده وقدمت الآلاف من الشهداء في سبيل انعتاقها وتحرير أوطانها، وهذه التضحيات الجسام كبدت المستعمر خسائر جسيمة في جيوشه والمتعاونين معه أرغمته في نهاية المطاف على المغادرة .
غير أن المستعمر تعامل بدهاء ومكر مع رموز المقاومة خلال فترة مغادرته لمستعمراته” حيث طبق قاعدة “ما لم يتحقق بالحرب يتحقق بالسياسة” حيث صاغ اتفاقيات على المقاس بأساليب ماكرة استطاع أن يورط رموز المقاومة في التوقيع عليها، أذكر منها اتفاقية “إيكس ليبان” التي أبقت علاقة التبعية للمستعمر واتفاقية “سايس بيكو” سنة 1916 التي خرجت منها كيانات سياسية (دول) لم تكن موجودة قبل هذا التاريخ في حينه مع التأكيد على التبعية للمستعمر.
وفي هذا السياق ؛ تؤكد جل الدراسات والبحوث الأكاديمية ان المستعمرات السابقة بالرغم من أنها نالت استقلالها ؛ فإن علاقة التبعية للمستعمر بقيت قائمة إلى حدود اليوم ؛ وهذه التبعية تتمظهر في التدخلات السافرة في الشؤون الداخلية والسيادية للمستعمرات السابقة التي توسم ببلدان العالم الثالث وهي تحديدا دول إفريقيا وأمريكا اللاتينية وعدد كبير من دول آسيا .
ووفق ذات الدراسات والعديد من التقارير المستقلة فإن هذه التدخلات تهم الشأن السياسي والاقتصادي والاجتماعي والمتمثلة أساسا فيما يلي:
على المستوى السياسي تؤكد جل التقارير والدراسات أن المستعمر السابق يحرص حرصا شديدا على إجهاض الديمقراطية بمستعمراته السابقة ولا يجد اي حرج في دعم فئة على حساب فئات أخرى وتحديدا الفئة التي تدين له بالولاء والطاعة وترعى مصالحه الاقتصادية والثقافية وتبيح له خيرات وثروات البلاد على حساب شعوبها ؛ زد على ذلك انه يعمل بذكاء على استدراج حكومات المستعمرات السابقة إلى التورط في جرائم اقتصادية ومالية وانتهاكات حقوق الإنسان من خلال تشجيعها على فعل ذلك وغض بصره عنها ؛ ومن ثمة يبسط قبضته الحديدية على هذه الحكومات ويجعلها كآداة طيعة في يديه يحركها كيفما شاء ومتى شاء حسب ما تتطلبه مقاسات مصالحه، إذ يصبح أعضاء هذه الحكومات مطوقين بمشنقة المستعمر السابق، فإما تنفيذ ما يُملى عليهم سواء بطريقة مباشرة من هذا المستعمر أو بطريقة غير مباشرة عبر شركاته العابرة للقارات أو بعض المؤسسات الدولية كالبنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية وغيرها، وإما تسليم أعناق أصحابها لمشنقة المحاسبة والمساءلة وفضح سلوكاتها وجرائمها المالية وملفات الفساد المتورطة فيها ، والتي يملك المستعمر السابق كل تفاصيلها الدقيقة ومن ثمة التخلي عنها وتركها فريسة لشعوبها..
أما فيما يخص الحكومات التي تتبنى تعددية سياسية وحزبية، فإن المستعمر استطاع اختراق هذه الأحزاب عبر دس رجاله وعيونه داخلها والعمل على دعمهم والنفخ فيهم وبأمجادهم الوهمية من خلال أذرعه الإعلامية الرهيبة، ويكفي أن أشير في هذا الصدد أنه خلال حملة مقاطعة “حليب فرنسا”، أطل علينا بعض القادة السياسيين بخرجات إعلامية ملتبسة يدافعون فيها باستماتة عن هذا الحليب ومنهم من وصف المغاربة “بالمداويخ”، ونفس الشيء حدث مع فرض الساعة الإضافية، حيث خرج زعماء سياسيين آخرين محسوبين على أحزاب سياسية عريقة لتبخيس احتجاجات المغاربة ضد هذه الساعة ومحاولة إبراز مزايا ” الإملاء الفرنسي” (أي مزايا الساعة الاضافية)، مع العلم أن تقارير طبية عديدة بينت بالدليل والحجة أن هذه الساعة لها انعكاسات سلبية على صحة الإنسان علاوة أضرارها الأخرى.
على المستوى الإقتصادي تتجلى تدخلات المستعمر السابق الفظيعة في تحديد نمط الاقتصاد لمستعمراته السابقة ويمنعها من تبني اختياراتها الحرة والمستقلة ولا يسمح لها بتجاوز الخطوط التي يرسمها لها، ويملي عليها عدم السماح لأي شركة محلية أن تستثمر في مجالات محددة التي يجب أن تبقى حكرا لشركات المستعمر السابق.
ولا أحد يجادل في دهاء ومكر المستعمر السابق الذي استطاع سحب العديد من القطاعات الحساسة والسيادية المدرة للثروة من تحت بساط سيادة حكومات المستعمرات السابقة تحت ذريعة الاصلاحات الاقتصادية وتحت ذريعة تخفيف أعباء الدولة من نفقاتها، ليقوم المستعمر بتحويل هذه القطاعات لنفسه من خلال شركاته العابرة للقارات..
ومما لا ريب فيه، أن هذا المستعمر سيستمر في مكره في تجريد حكومات مستعمراته السابقة من كل شيء، فهو من جهة يسحب منها مقومات الاقتصاد الوطني ومصادر الثروات ومنابع الأمن والاستقرار والعبث بمقومات ثقافتها وهويتها بتزكية ومباركة من عملائه رغما على إرادة الشعوب، ومن جهة ثانية يطلب منها المزيد من الإصلاحات الهيكلية والاقتصادية والإدارية ويغريها بمزيد من القروض من المؤسسات المالية الدولية التي معظمها يتم تحويلها للمستعمر السابق في صيغة أجور للخبراء الفنيين والمستشارين بشتى أصنافهم، أو مقابل بضائع غربية الصنع تُفرض على الحكومات المتلقية شراؤها ضمن الشروط المنصوص عليها في عقود هذه القروض، وهو ما يؤدي إلى امتصاص عروق المجتمعات المتخلفة عبر إثقال كاهلها بالقروض والمنح التي تترجم في الاخير إلى محن وزيادة تأزيم الازمة عبر سياسة برامجها المهيكلة لوضع لبنات الاساسية للبرلة دول العالم الثالث.
وأي دولة تنتمي للدول الموسومة ب”العالم الثالث” أو ما يعرف ب”دول الجنوب” حاولت أو مجرد فكرت في تجاوز الحدود المرسومة لها من قبل المستعمر يكون مصيرها التدمير والتخريب، وأي تجربة ديمقراطية ناجحة يتم تدميرها وإجهاضها، ويكفي أن أشير في هذا الصدد، إحباط تجربة ساحل العاج الديمقراطية، حيث تدخل الجيش الفرنسي بكل ثقله لإرجاع عميلها وأقنانها إلى السلطة، كما تم تدمير تجربة الجزائر في سنة 1993 والتي أسفرت عن عشرية دموية سوداء في تاريخ الجزائر بمباركة من فرنسا، وقبلها تم تدمير الصومال لأنها بنت نهضتها الاقتصادية وكانت قريبة من دخول نادي الدول المتقدمة.
ونفس الشيء حدث لدولة العراق بعد أن خرجت حكومة الراحل صدام حسين من الدائرة المرسومة لها من خلال تشجيعها للبحث العلمي وبناء قدراتها الاقتصادية والعلمية وصناعة الرفاه الاقتصادي والاجتماعي لشعبها في كافة المجالات، حيث تدخل الغرب بكل ثقله ومكره في، عهد جورج بوش الأب، واستطاع استدراج العراق إلى غزو دولة الكويت ليستعمل هذا الغزو كذريعة لتدمير العراق والإنسان العراقي، حيث مارس عليه سياسة التجويع والحظر الاقتصادي من بداية التسعينات إلى سنة 2003.
ولما تولى السلطة جورج بوش الإبن وجد أن العراق خلال سنوات الحصار بدأ ينهض من كبوته، أو على الأقل هناك أمل فى النهوض، فاخترع أكذوبة مفادها أن العراق يمتلك أسلحة الدمار الشامل، وللأسف الشديد كانت هناك مساهمات عربية كبيرة في التسويق لهذا الإدعاء غير الأخلاقى والترويج له، فيما حكومات الدول الغربية بذلت جهودا كبيرة ، تقنيا وإعلاميا وسياسيا وأمميا، من أجل البروباغوندا لهذا الإدعاء، وهناك العديد من التقارير تؤكد أن قصة أسلحة الدمار الشامل بالعراق كانت من تأليف وإخراج أباطرة الحرب وتجارها، من أمثال ديك تشينى، ودونالد رامسفيلد، ومادلين أولبرايت، وكونداليزا رايس، وحتى كولن باول، وجورج بوش وطوني بلير رئيس الوزراء البريطاني أنذاك الذين حرصوا على عرض وثائق وصور ومعلومات مزيفة على العالم طوال الوقت، ليس فى وسائل الإعلام فقط، وإنما فى أروقة الأمم المتحدة أيضاً.
وبهذه “الخديعة” أشرف جورج بوش بمعية طوني بلير على قتل أكثر من مليون شخص في العراق منهم الألاف من العلماء والضباط الساميين وتهجير الملايين منهم بعد أن قاما بتضليل شعبيهما وتضليل المنظمات الدولية، والضغط على أعضائها وترهيب من يعارضهما ، ولم ينتظرا أصلاً الحصول على موافقة مجلس الأمن الدولي، وهكذا تم تدمير العراق وتراثه وآثاره وبنيته التحتية وبشره وحجره وكل شيء كان جميلا في العراق. وهذا ما كان قد عبّر عنه جيمس بيكر وزير الخارجية الأمريكي أثناء الحرب الأولى عام 1990 بقوله لطارق عزيز، نائب رئيس وزراء العراق آنذاك: «سوف نعيدكم إلى العصر الحجرى» وبالفعل عاد العراق بنهاية تلك الحرب إلى العصر الحجرى، بعد 14 عاماً من الحصار الظالم.
والأخطر ما في الأمر أن هذا الغرب الرسمي الذي يصنف نفسه في خانة “الدول المتقدمة والديمقراطية” لا يمل من الكذب والافتراء ونسج المؤامرات وسياسة النهب والسرقة لثروات الدول التي يضعها في خانة “العالم الثالث”.
فإذا كانت بعض الدول الغربية تتظاهر بأنها صديقة وحليفة لنا، فإنها في نفس الوقت تقوم برعاية زرائب من المعارضين- الخونة- بعواصمها لأنظمتنا السياسية في الجنوب وتقوم بتعليفهم وتمكينهم من مقومات العيش والبذخ، كعملاء احتياطيين لها، فهي تستعملهم في الزمان والمكان المناسبين لها… وقد رأينا كيف نصبتهم على العراق بعد تخريبه وتدميره وكيف نصبت آخرين في ليبيا وتونس وغيرها من بلدان “العالم الثالث” لمواصلة سياستها الإجرامية في حق هذه الشعوب عن طريق أدواتها “العملاء” الذين كانت تعلفهم في عواصمها.
الخلاصة التي يمكن أن نستنتجها من كل ما سبق ذكره، هي أنه ليست هناك دول متقدمة كما يُخيّل إلينا وليست هناك دول متخلفة أو ما يسمى ببلدان “العالم الثالث”، إذ أن كل هذه الأوصاف لا تمت بصلة إلى دلالاتها ومعانيها وأبعادها.
والحقيقة المرة التي يجب أن نصدح بها بكل جرأة وشجاعة هي دول الجنوب الموسومة ب”العالم الثالث” لم تحقق أصلا استقلالها بشكل كلي، فهي لازالت تتعرض للتنكيل وانتهاكات حقوق الإنسان ونهب خيراتها وطحن كفاءاتها إما بتدخل مباشر من المستعمر أو عبر عملائه وأجرائه الجاثمين على صدور شعوب الجنوب والذين ينفذون حرفيا إملاءات هذا المستعمر على حساب كرامة شعوب الجنوب ومستقبل أوطانها.
يمكن القول إذن أن مصطلحات “البلدان المتخلفة” أو “العالم الثالث” أو “السائرة في طريق النمو” هي مصطلحات لا تعبر عن دلالات معانيها ولا تعبر عن الحقائق الماثلة أمامنا ولا تتناسب مع الاوصاف التي تليق ببلدان الجنوب، ومن ثمة فإني أقترح تعويضها بالبلدان “الشبه المستقلة” أو “البلدان الخاضعة لسرقة الغرب” أو “البلدان المتسلط عليها من قبل المستعمر” أو “البلدان غير المسموح لها بالتقدم”، لأن هذه التسميات تدل على واقع حالها وستساهم في تعزيز الوعي السياسي لدى شعوبها وستساعدهم على معرفة العدو الحقيقي لهم ولآمالهم ومستقبل أوطانهم وستعزز الشعور القومي والتمسك بمقومات الهوية لأوطانهم وتاريخهم وحضارتهم وإرثهم التاريخي.
أما البلدان التي توصف “بالعالم الأول” أو المتقدمة، فيجب تغييرها أيضا بالأوصاف التي تليق بها، وأقترح أن يتم توصيفها ب”البلدان الماردة” أو “البلدان الماكرة والخادعة” أو “البلدان القاتلة” أو “البلدان اللصوصية”، لأن هذه الأوصاف تناسب سلوكاتها وتعبر عن أفعالها وسياساتها الإجرامية في حق شعوب وسكان كوكب الأرض.
السبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع المقلق، هو مواصلة مسيرة الاستقلال ورسم مستقبلنا بعقولنا وسواعدنا والتحرر من التبعية للمستعمر والمديونية وتبني سياسة إعلامية ولو بلباس الصحافة المستقلة لتوعية الشعوب وإبراز حقيقة الذين يتم تعليفهم في عواصم الغرب الاستعمارية على أساس أن يتم العفو عن من تاب منهم وعاد لوطنه، وبدون ذلك لن يزدهر اقتصادنا ولن تخطو بلداننا إي خطوة إلى الأمام، بل ستعود العشرات من الخطوات إلى الوراء.. وستبقى بلداننا عبارة عن قطعان خرفان يتم ذبحها متى دعت حاجة المستعمر لذلك.
——————————————-
(*): مُكون في مجال الصحافة وحقوق الإنسان وباحث في مجال الاقتصاد القروي.
———————————————————————-
المراجع:
1- https://www.arageek.com/l/كيف-نشأ-العالم-الثالث
2- الدول المتقدمة والنامية والناشئة … أين يكمن الاختلاف ” مقال إلكتروني منشور في موقع الباحثون السوريون www.syr-res.com
3- أمارتيا صن ” التنمية حرية – مؤسسات حرة وإنسان متحرر من الجهل والمرض والفقر – ترجمة شوقي بلال ” عالم المعرفة سلسلة كتب ثقافية شهرية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب _ الكويت سنة 2004.
4- الدول المتقدمة والنامية والناشئة … أين يكمن الاختلاف ” مرجع سابق
5- أزوالدو دو ريفرو ” أسطورة التنمية وقوى التدمير الخفية – انقراض العالم الثالث – ترجمة د فاطمة نصر” اصدارات سطور جديدة ، لسنة 2010.
6- جاك لوب ” العالم الثالث وتحديات البقاء – ترجمة أحمد فؤاد بلبع – ” عالم المعرفة سلسلة كتب ثقافية شهرية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب _ الكويت سنة 1986.
07- الدكتور عبد الغفور بالريسول ” العالم الثالث وظاهرة التخلف ” مقال إلكتروني في صيغة pdf منشور في الانترنت
08- جون زيجلر ” الحرب العالمية الثالثة دائرة حاليا ضد شعوب العالم الثالث ”.
09- المهدي المنجرة “الاهانة في عهد الميغا إمبريالية ”.
10- المهدي المنجرة : ” قيمة القيم ” الطبعة الثانية مارس 2007.
11- 23- https://www.swissinfo.ch/ara/ يونيو 2008
12- إبراهيم سعد الدين (بإشراف): المجتمع والدولة في الوطن العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1988.
13- فارس فائق ظاهر ” دراسة : السياسات الاقتصادية للبنك الدولي وأثرها على تحقيق التبعية ” مقال منشور في موقع http://blog.amin.org/faresdahaher
14- المهدي المنجرة ” عولمة العولمة “الطبعة الثانية لمنشورات الزمن ، مطبعة النجاح الجديدة_ الدار البيضاء سنة 2011.
15- جونز زيجلر ” الحرب العالمية الثالثة دائرة ضد شعوب العالم الثالث ” مقال منشور في مجلة السياسة الدولية العدد الواحد والخمسون بعد المائة لعام 2002 الصفحة 106 و107
16- المهدي المنجرة ” الإهــــــــــانة في عهد الميغا إمبريالية ” الطبعة الرابعة مطبعة النجاح الجديدة –الدار البيضاء سنة 2005.
الرئيسية / الرئيسية / علاقة بلدان “العالم الأول” ببلدان “العالم الثالث” شبيهة بعلاقة الجزار مع قطيعه يتم ذبح رؤوسه متى دعت الحاجة إليه.
شاهد أيضاً
عامل إقليم الخميسات يقوم بتدشين مدرسة ابتدائية بمناسبة ذكرى عيد الاستقلال المجيد بسدي علال البحراوي.
أوتغولت/ماروك24مديا أشرف اليوم الإثنين 18 نونبر 2024 السيد عبد اللطيف النحلي، عامل إقليم الخميسات، على …