متابعة/ماروك24ميديا
بقلم محمد احمزاوي ابن شهيد حرب الصحراء المغربية
خاضت المملكة المغربية، ما بين سنتي 1975 و1991، واحدة من أشرس معاركها دفاعًا عن وحدتها الترابية في الأقاليم الجنوبية. وقدم الآلاف من الجنود أرواحهم الزكية في سبيل الوطن، في معارك الشرف والكرامة. لكن، ورغم ما تحقق من نصر على الأرض، فإن أسر هؤلاء الشهداء – من أرامل وأبناء – ما تزال تعاني من ظلم صامت، وحقوق مهضومة، وتهميش غير مبرر، في واحدة من الملفات الإنسانية التي ظلت عالقة لعقود.
عانت أرامل الشهداء من التهميش المزدوج: مرة بفقدان معيلهن، ومرة بإقصائهن من الرعاية والدعم الاجتماعي. ورغم أن لقب “أرملة شهيد” يجب أن يكون عنوان كرامة وتقدير، إلا أنه ظل في كثير من الحالات مجرّد صفة إدارية لا تُترجم إلى امتيازات أو حقوق ملموسة. رحلت كثيرات منهن في صمت وقهر، دون أن يستفدن من سكن لائق، أو معاش كريم، أو رعاية صحية واجتماعية تليق بتضحيات أزواجهن.
أما أبناء الشهداء، فقد كبروا في ظل غياب سند حقيقي، وغابت عنهم الرعاية التعليمية والمواكبة النفسية والاجتماعية. بعضهم انقطع عن الدراسة، وآخرون تاهوا في دهاليز البطالة والتهميش، رغم أن القانون يمنحهم صفة “مكفولي الأمة”. الأدهى، أن من واصل دراسته بتفوق، وحصل على شواهد جامعية أو مهنية، وجد نفسه خارج منظومة التشغيل والإدماج، وكأن الوطن لا يعترف بتضحيات آبائهم.
والمثير للاستغراب، أن عددا من أبناء الشهداء، حين قصدوا مؤسسة الحسن الثاني للأعمال الاجتماعية لقدماء العسكريين وقدماء المحاربين، قوبلوا بجواب محبط: “أنتم لا تتوفرون على الصفة”. فهل يعقل أن يُنكر الحق على من فقد والده في معركة الدفاع عن الوطن؟ وهل يُقبل في بلد يقدّس الشهادة أن يُقال لابن شهيد إنه لا صفة له؟
الأكثر إيلامًا، أن هذه الفئة حُرمت أيضًا من العلاج المجاني في المستشفيات العسكرية، ومن الاستفادة من برامج السكن، والتشغيل، والمأذونيات، وبطاقة الإنعاش الوطني، وحتى من التعويض عن الضرر. بل إن مطلب جبر الضرر بقي حبيس الخطابات، ولم يُفعل إلى اليوم، رغم أنه أحد أبرز أوجه العدالة الانتقالية والإنصاف المؤسساتي. فهل جزاء من ضحى بروحه أن تُهمّش أسرته وتُنسى قضيته؟
ورغم صدور تعليمات ملكية سامية في أكثر من مناسبة، تدعو إلى تمتيع أسر الشهداء بكامل حقوقها، إلا أن هذه التعليمات لم تجد طريقها إلى التطبيق العملي. ولم يُفتح تحقيق أو يُحاسب أي مسؤول عن تقاعس الإدارات المعنية عن تفعيلها، ما يجعلنا أمام سؤال مشروع: من يعطل تعليمات الملك؟ ومن يحول دون إنصاف هذه الفئة المكلومة؟
لقد بات من الضروري، اليوم قبل الغد، معالجة هذا الملف الإنساني والوطني بتصور شامل، يعيد الاعتبار لأسر الشهداء، ويقر بحقوقهم غير القابلة للتصرف. فكرامة الوطن لا تكتمل دون صون كرامة من ضحّوا من أجله، ورد الاعتبار لهم ليس مكرمة، بل واجب وطني وأخلاقي ودستوري.
في الختام، يبقى مطلب تخصيص “بطاقة أسر شهداء الصحراء المغربية” أمرًا ملحًا، يُخوّل لهم الولوج إلى المؤسسات والخدمات الاجتماعية والصحية، أسوة ببطاقة قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير. فهؤلاء الشهداء سقطوا في الميدان من أجل وحدة التراب، وهم في طليعة المشاركين في المسيرة الخضراء، أليس من حقّ أسرهم أن تحظى باعترافٍ رسمي يُخلّد تضحياتهم، ويصون كرامتهم؟