من بين الأهداف التي تتوخى وزارة التربية الوطنية تحقيقها نجد نشر ثقافة الإنصات داخل المؤسسات التعليمية التربوية بصفة خاصة والمجتمع المدني بصفة عامة.
فالكل يدرك الأهمية والدور الذي يلعبه علم الإنصات في حياة المتعلم وسلوكه اليومي. لكن ما يلاحظ على أرض الواقع هو العكس، لأن المتعلمين عمدوا إلى السمع وليس إلى الاستماع. وهذا هو السلوك السائد في التواصل اليومي، بالرغم من كونهم – حسب الدراسات الحديثة – يقضون % 45 إلى % 50 من وقتهم في الاستماع إلى الآخرين وفقط % 30 في التحدث و% 25 في القراءة والكتابة.
وهناك مثل صيني يقول : ” الله منحنا أذنين وفم واحد للسمع أكثر من الكلام ” ، ولكن السلوك السائد هو أن كل شخص يريد أن يسمع إليه آخرون أكثر من استماعه هو إليهم. والواقع إذا أردت أن يسمعك الآخرون عليك أن تسمعهم هم أيضا. كما أن الإنصات الجيد يمكن من معرفة كيفية تفكير الآخرين مما يساعد على فهمهم وبالتالي التأثير فيهم.
إن هدفنا اليوم، كفاعلين جمعويين وكمربيين تربويين، هو ترسيخ ونشر ثقافة الإنصات داخل مؤسساتنا التعليمية التربوية التي أصبحت اليوم تعاني وتتخبط في مجموعة من المشاكل والصراعات بسبب السلوكات الصادرة عن التلاميذ المراهقين من عنف، وانحراف، وتمرد، وعراك… إلخ. وكل هذا نتيجة كتمانهم لآلامهم ومعانتهم النفسية، وغياب حوار فعال ومثمر بينهم وبين أسرهم التي أصبح همها الوحيد توفير لقمة العيش، هاته اللقمة التي أصبحت جد صعبة خاصة في مجتمع اعترته مجموعة من التغيرات نتيجة ظهور التكنولوجيا والعولمة، وغلاء الأسعار…إلخ.
إن هدفنا الوحيد داخل هذه المؤسسات التربوية هو القضاء على ثقافة الكتمان مع ترسيخ ثقافة البوح التي تساعد المراهق على التخلص من معاناته وعقده النفسية، وجعله يحس بالراحة والاطمئنان النفسي، لأنه في الأخير وجد من ينصت إليه وينصحه ويوجهه إلى الطريق الصحيح.
كما أن ما يهدف إليه الإنصات داخل هذه المؤسسات التعليمية يمكن تلخيصه فيما يلي:
خلق علاقة وطيدة وفعالة بين المتعلم والأستاذ مع إعطاء الأولوية للمتعلم وجعله يحس بذاته ويكون صورة إيجابية عن نفسه وعن العالم المحيط به.
خلق دينامية فعالة بين المتعلمين من خلال جلسات الحوار أو ما يسمى بدينامية الجماعة.
خلق جسور الحوار والمساءلة بين الإدارة وأولياء التلاميذ حول وضع أبنائهم داخل المؤسسة التي يدرسون بها.
عقد لقاءات تواصلية بين خلية الإنصات والآباء مع توعيتهم بالدور الذي يلعبه فن الإنصات وسيكولوجية الاستماع لأبنائهم من ثقة وعزم في نفوسهم.
توعية الأساتذة أيضا بهذا المفهوم الذي يساعدهم على معرفة تلاميذتهم وتشخيص حالاتهم النفسية ومشاكلهم الاجتماعية وعوائقهم التربوية وتحديد كيفية التعامل معهم.
مساعدة هؤلاء التلاميذ المراهقين على معرفة ذواتهم في مختلف جوانب شخصيتهم: العقلية، والنفسية، والعاطفية، والاجتماعية…
فننشئ جيلا صادقا مملوءا بالعزيمة والإرادة وخاليا من العقد النفسية التي تدمر حياته، متى ننصت لأبنائنا ونستمع إلى ما يقولون بجد واهتمام ومسؤولية.
بقلم الأستاذ والباحث في علم الإنصات : محمد مرزوق