نظمت النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية أيام 23، 24، 25 دجنبر2022 ورشة وطنية حول “موقع المرأة الفنانة في الحياة النقابية” وملتقى وطنيا للأطر بمدينة الدار البيضاء، تحت شعار: “ويستمر النضال بعد كورونا.. الهيكلة أولا”. وقد عقد على هامش هذا الملتقى التكويني والتواصلي، لقاء تشاوري لأعضاء المجلس المركزي للنقابة حول مستجدات الساحة الفنية وتمهيدا لعقد الدورة الرابعة للمجلس، والشروع في أشغال تحضير المؤتمر الوطني الثامن.
وقد خصصت أشغال الورشة الوطنية حول “موقع المرأة الفنانة في الحياة النقابية” يوم الجمعة 23 دجنبر 2022، لدراسة منطلقات تفكير وبرامج ترافعية تخص وضعية المرأة العاملة في المجال الفني وفي الحياة النقابية، وما يعتري هذا الموضوع من نقائص تتعلق بخصوصية الحماية القانونية للمرأة الفنانة سواء في مواقع العمل أو ما يتعلق بالحقوق الاجتماعية المرتبطة بالعمالة النسوية عموما، والفنانة على الخصوص، ومن ذلك إعمال مبادئ المناصفة وعدم التمييز وعدم الإقصاء وحماية استغلال صورها خارج غاياتها الفنية ولاسيما في الأعمال السمعية البصرية.
كما تدارس المشاركون من الأطر النقابية يومي 24 و25 دجنبر 2022 القضايا المطروحة على الساحة المهنية الفنية في ضوء تداعيات ما بعد جائحة كورونا، وما كشفت عنه من هشاشة متراكمة في أوضاع مهنيي الفنون ولا سيما الفنون الحية وعريهم إزاء آليات الحماية الاجتماعية، في ظرف عرف توقفا كاملا دام أزيد من سنة وظل مستمرا لمدة طويلة بدون مبرر واضح، بعد رفع الحظر عن القطاعات الأخرى.
وكان الملتقى فرصة للتداول في جملة القرارات التي اتخذتها السلطات المعنية بتنزيل المشروع الملكي الوطني لتعميم التغطية الصحية، وما يتعلق بها في جانب المساهمة الضريبية لمهنيي وأجراء القطاع الفني.
كما توقف المشاركون عند المستجدات التشريعية الخاصة بالمكتب المغربي لحقوق المؤلفين والحقوق المجاورة؛ ووضعية ومآلات برامج دعم المسرح (إنتاجا وترويجا واستمرارية)؛ وتعثرات التنزيل الكامل والشامل لمقتضيات قانون الفنان والمهن الفنية؛ وأسئلة العمل النقابي في المجال الفني ومهامه وصيغه المستقبلية.
وفي ختام أشغال الملتقى الذي عرف تقديم أوراق تحليلية في كل المحاور المشار إليها، ونقاشا مستفيضا لكل محور، خلص المشاركون إلى ما يلي:
أولا، تجديد تثمينهم للمبادرة الملكية السامية بإطلاق الورش الهام لتعميم التغطية الصحية على كافة المواطنين، صونا لكرامة الجميع، وانخراطهم وتعبئتهم التامين لإنجاح هذا الورش، ومساهمة الفنانين البناءة في إيجاد الحلول الملائمة لكل فئة من الفنانين للاندماج في منظومة التغطية الصحية بما ينسجم مع احترام مقتضيات قانون الفنان، وطبيعة العمل الفني الذي هو عمل غير نمطيAtypique ، وغير قابل للاختزال في صيغة توصيفية واحدة ومتعسفة لا تستوعب الطبيعة القانونية والاقتصادية لكل الأنشطة الفنية ووضعياتها المهنية المتنوعة حسب طبيعة النشاط.
ثانيا، استنكارهم لإصرار السلطات الحكومية ذات الصلة بتفعيل هذا الورش الطموح، على تجاهل ورفض الامتثال لمنطوق قانون الفنان والمهن الفنية الذي لا لبس فيه، من خلال رفض الاعتراف بوضعية الفنان والتقني والإداري الأجير/الأجراء بعقود شغل محددة المدة، وهي الوضعية الحقيقية لأغلبية العاملين في القطاعات الفنية ولاسيما في مجال فنون العرض الحية والمسجلة، بحكم طبيعة عملهم القائم على التبعية الشغلية، والذي لا يمكن أن يكون له وجود كعمل مستقل وحر إلا في الخيال، في غياب مقاولات الإنتاج الفني التي تشغلهم. وقد نتج عن هذا التجاهل والعصيان للقانون حالات مأزقية وعبثية لا حصر لها، يعاني أصحابها اليوم من ظلم واضح غير قابل للتبرير أو للتغاضي عنه ومن ذلك مطالبتهم بالتخلي عن بطاقة الفنان المهنية لتجاوز حالات التراكم أو عن المقاول الذاتي أو الباتنتا أو رفض بعضهم في برامج التشغيل المؤقت لكونهم مستقلين وما هم بمستقلين بل أجراء… كل ذلك نتيجة إرغامهم على الانخراط في نظام التغطية الصحية كأشخاص يعملون لحسابهم الخاص، وكنتيجة أيضا لوضعية ضريبية غير سليمة، برغم منافاة هذا التكييف لكل الضمانات القانونية التي يوفرها القانون لهذه الفئة، مما يجعل الإجراءات المتخذة بهذا الصدد مشمولة بالبطلان وتنم عن جهل واضح بالخصوصية الاقتصادية والاجتماعية للمهن الفنية كما هي مكرسة حقوقيا ودستوريا
في الفصلين الخامس والعشرين والسادس والعشرين من الدستور. والحال أن هذا الاختيار غير المفهوم من طرف الإدارة، أيضا يكرس، وربما يتبنى، الأساليب المخالفة للقانون التي تلجأ إليها عدد من شركات الإنتاج الفني التي تصر من جهتها على عدم الاعتراف بالطبيعة القانونية لعقد الشغل الذي يربطها بالأجراء الفنيين (مهنيي العروض) وترغمهم على الإدلاء برقم الباتانتا أو بطاقة المقاول الذاتي عوض توقيع عقود الشغل والتي هي بحكم القانون عقود شغل مهما كانت تسميتها، مع ما ينطوي عليه هذا السلوك من تصرف ريعي واضح في المال العام في سياق ثقافي يلعب فيه الدعم والإنتاج العمومي دورا محوريا.
ثالثا، رفضهم للطريقة التي تم بها تجاهل كل مطالب أصحاب الحقوق الفعليين، بخصوص مقتضيات القانون المتعلق بالمكتب المغربي لحقوق المؤلفين والحقوق المجاورة. ذلك أن هذه الخطوة التشريعية الهامة، برغم ما تبرزه من عناية سياسية بتعزيز وتفعيل حماية الحقوق المادية والفكرية للمؤلفين والمؤدين والمنتجين، إلا أنها جاءت مشوبة بعيوب جوهرية ظلت نقابتنا وقسم واسع من ممثلي أصحاب الحقوق، تعبر عن رفضها لها طيلة مختلف المراحل التشريعية وضرورة احترام خصوصية الموضوع استنادا على الفصل السادس والعشرين من الدستور بهندسة قانونية ملائمة، وتنبه إلى آثارها الوخيمة على هذه الحماية المرجوة، وعدم انسجام المشروع مع طبيعة الحقوق التي تدعي الحرص على حمايتها، وهي حقوق خاصة لا يستقيم أن تستحوذ السلطات الحكومية الوصية على زعم تدبيرها بسلطة التعيين، دون ضمان صيغ مثلى مزدوجة لتمكين أصحابها الحقيقيين من ممارسة حقوقهم الفعلية على كيفية التصرف فيها في إطار القانون الوطني والدولي وبمنهجية ديمقراطية من جهة، تحت رقابة وتحكيم وتوجيه أجهزة الدولة المعنية بحماية حقوق جميع أطراف المصلحة من مختلف فئات ذوي الحقوق والمستغلين والمستهلكين من جهة أخرى، ناهيك عن حالات التنافي التي ستضع الحكومة نفسها فيه باعتبارها طرفا وحكما، وكذا إمكانية توظيف حقوق أساسية من حقوق الإنسان الاقتصادية والثقافية غير القابلة للتسييس في التجاذبات والتوازنات والمصالح السياسية، دون الحديث عن صعوبة التنزيل المنتظرة حين تصادم تنزيل القانون مع قوانين أخرى ولاسيما ما يتعلق بظهير الحريات العامة أثناء تشكيل هياكله.
رابعا، تسجيلهم للمنحى التراجعي المستمر وغير المبرر عن عدد من المكتسبات التي تحققت بخصوص هيكلة القطاع المسرحي، لا سيما فيما يخص برامج الدعم التي أرستها الإرادة المشتركة للمسرحيين وللحكومات السابقة منذ حكومة التناوب، والعمل على احترام معالم الموسم المسرحي، على مدى ربع قرن، عرفت خلالها الممارسة المسرحية انتعاشا وتنوعا ملحوظين، يعكسهما الحضور البارز للمسرح المغربي على الصعيد الدولي في العقدين الأخيرين. وتتجلى هذه التراجعات على الخصوص، في التخلي التدريجي عن قواعد الشفافية والمساواة التي تم إرساؤها منذ 1998، باللجوء إلى فتح نوافذ متعددة وهامشية خارج نطاق المساطر المعتمدة، والقائمة على المنافسة والاستحقاق، عوض العلاقات غير الواضحة مع مراكز القرار داخل وزارة الثقافة أو غيرها، ولاسيما بعد ارتفاع مداخيل الصندوق الوطني للعمل الثقافي FNAC. ونبه المشاركون إلى أن هذا الأسلوب الذي يتخذ شكل منة متوقفة على قرار شخصي أو مزاجي، من شأنه أن يعود بالمسرح المغربي القهقرى إلى أزمنة كان فيها الوصول إلى الدعم نوعا من الريع السياسوي العقيم، ومن شأنه أيضا أن يفتح المجال لقوى الانتفاع والانتهازية المستغلة لكل فراغ قانوني من أجل الاغتناء من المال العام.
خامسا، وفي المنحى نفسه سجل المشاركون التجميد الأرعن لواحد من أهم برامج دعم الدينامية المسرحية والثقافية المتشابكة، ودعم إرساء الممارسة المسرحية القارة في الفضاء، وهو برنامج دعم التوطين المسرحي. هذا التجميد الذي لم تقدم بخصوصه وزارة الشباب والثقافة والتواصل أي تفسير. كما أنها لم تقم بأي تقييم للبرنامج مع شركائها قد يبرر هذا التجميد. وطالب المشاركون في الملتقى بإعادة إطلاق هذا البرنامج وفتح حوار وطني حول سبل تقييمه وتطويره عوض الإسراع إلى خنقه بقرارات تفتقر إلى الحد الأدنى من حس المسؤولية.
سادسا، كما لم يفت المشاركين أن يسجلوا في مسلسل التراجعات هذا، الشكل المخيب للآمال الذي اتخذه تنظيم افتتاح الدورة الثانية والعشرين للمهرجان الوطني للمسرح ومساراتها وفقراتها، وما تم تناقله من أصداء حول هذه الدورة، على نحو لا يتلاءم وجلال أبي الفنون وتقاليده الراسخة، ولا يعكس المستوى العالي لنضج الحركة المسرحية المغربية، بقدر ما يعكس نظرة نكوصية فجة لا ترى في المهرجان أداة لتطوير الممارسة المسرحية وتثمين الموسم المسرحي والاحتفاء بإنجازات المبدعين المسرحيين، بل مجرد عبء تنظيمي ينبغي التخلص من تبعاته بسرعة. وإذ يحيي المشاركون جهود العاملين في دواليب تنظيم التظاهرة من فنانين وإداريين جادين، فإنهم يدعون الوزارة إلى إيلاء عناية جادة لهذه التظاهرة بإعطائها هويتها الفنية والثقافية المميزة عبر حوار مع المعنيين يضع تصورا متكاملا للتظاهرة ويعيد ربطها بالموسم المسرحي من حيث الوظائف وخدمة المشهد المسرحي على مدار السنة.
وفي الختام، عبر المشاركون عن انخراطهم المستمر وتعبئتهم الصامدة في الدفاع عن حقوقهم وتنزيل مكتسباتهم القانونية وحماية ما تم إقراره من برامج وإجراءات لصالح المهن الفنية وقطاعاتها المختلفة من عبث العابثين، بكل الوسائل حتى يتم إقرار الحق وإنفاذ القانون، والعودة إلى المسار الصحيح والبنّاء.
حرر بالدار البيضاء
يوم الأحد 25 دجنبر2022