ماروك24ميديا
في فضاء الكتابة الرقمية، لم يعد القلم مجرّد أداة تنساب منها الحروف، بل تحوّل إلى بطاقة هويةٍ تحمل ملامح الكاتب، أو قناعٍ يتخفّى خلفه من ضجيج العالم. هناك من يكتب باسمه الحقيقي كمن يعتلي منبرًا تحت الأضواء، وهناك من يختار اسمًا مستعارًا كنافذةٍ يطلّ منها على الحياة دون أن يُرى. بين الوجهين، تمتدّ مساحةٌ عميقة من التباين النفسي والفكري، تستحق أن نقف عندها طويلًا.
الكتابة بالاسم الحقيقي تشبه الوقوف أمام مرآةٍ صافية لا تُخفي شيئًا. أنت هناك، بكامل ملامحك، تُمسك القلم كما يُمسك المرء راية تمثّله. كل كلمة تُقال تُصبح موقفًا، وكل جملةٍ تُكتب تُقاس بميزان المسؤولية والصدق. في هذا المقام، الكاتب لا يعبّر فقط عن فكره، بل عن قيمه ومبادئه، عن تلك البصمة التي يريد أن يتركها في الذاكرة الجمعية.
لكنّ الكتابة تحت اسمٍ مستعار حكاية أخرى. إنها مساحة حريةٍ خالصة، يتحرّر فيها الكاتب من ثقل الأعين والأحكام. يكتب كما يشعر، لا كما يُنتظر منه أن يقول. هناك، لا وجود لمجتمعٍ يراقب أو بيئةٍ تحاكم؛ فقط قلمٌ يسافر في عمق الذات، يبوح بما يخفيه الخوف أو الحذر. غير أن هذه الحرية، رغم جمالها، قد تُصاب أحيانًا بعدوى الإفلات من المسؤولية، حين يُغري الظلّ صاحبه بالقول دون تفكير، أو النقد دون نيةٍ للإصلاح.
ومع ذلك، لا يمكن إدانة الأقنعة جميعها؛ فبعضها وُجد ليحمي لا ليخفي. هناك من يكتب في العتمة لأن النور حوله قاسٍ، من يعبّر باسمٍ مستعار لأن اسمه الحقيقي قد يُقصيه أو يعرّضه للأذى. في هذه الحالة، يتحوّل القناع إلى درعٍ يمنح الشجاعة لمن لا يملك رفاهية البوح في العلن.
في نهاية المطاف، ليست القيمة في الاسم الذي يوقّع النص، بل في النبض الذي يسكن الحروف. فالكلمة التي تُكتب بضميرٍ حيّ، تبقى حقيقية مهما غابت ملامح كاتبها. والكاتب الحقيقي ليس من يلهث وراء الضوء، بل من يترك أثره حتى في العتمة.
تذكّر دائمًا:
الكتابة ليست مجرّد موهبة، بل مسؤولية.
وليست طريقًا إلى الشهرة، بل إلى الصدق.
اكتب كما لو أن العالم يراك، حتى لو لم يعرف اسمك.
واجعل من كل حرفٍ تكتبه مرآةً تليق بك… وبضميرك.
بقلم: سيداتي بيدا