ماروك24ميديا
حين تتحول التقنية إلى امتحان للأخلاق… فهل ننجح؟
في زمنٍ صار فيه الضوء يسطع من الشاشات أكثر مما يسطع من القلوب، يقف الإنسان أمام اختبارٍ جديد:
هل سيغدو الإنترنت سلاحه للبناء… أم معوله للهدم؟
لقد باتت المنصات الاجتماعية اليوم بحرًا بلا شاطئ؛ غرق فيه من غفل عن بوصلته، وضاعت فيه أخلاق وسقطت عقول، وتاهت فطرة الإنسان بين بريق المتابعة وسعار الشهرة.
ومع هذا، لا يزال الأمل حيًّا — فكل موجة رقمية يمكن أن تُصبح منارة، إن قادها وعيٌ وبصيرة.
كن نحلة… لا ذبابة
لا تكن كمن يلهث وراء كل ما يلمع؛ فليس كل ضوءٍ نورًا، ولا كل منشورٍ صدقًا.
كُن كالنحلة، تعرف طريقها بين ملايين الأزهار، لا تقع إلا على الطيب، ولا تحمل إلا رحيق النفع.
قف فقط حيث تشعر أن في الوقوف خيرًا، واقرأ ما يُنمّي فيك عقلًا وذوقًا وقيمة.
في المقابل، احذر أن تكون ذبابةً تحطّ على كل ما هو خبيث، تنقل السوء دون وعي، وتساهم في تلوث الفكر والذوق العام.
السوق مفتوح… فاختر بضاعتك بحذر
الإنترنت ليس عالمًا مجانيًا كما يظن البعض؛ إنه سوق ضخم، تُباع فيه القيم قبل السلع.
فهناك من يروّج فكرًا مسمومًا، وهناك من يتاجر بالدين أو الجسد أو الكلمة.
ولأنك أنت “المستهلك”، فاختر بعقلك قبل إصبعك، وكن واعيًا أن كل نقرةٍ تكتب في صحيفتك، وكل مشاركةٍ توقّع بها على عقدٍ لا يُمحى.
فإن المشتري لا يُشاور وميزانك الأخلاقي هو رأس مالك الحقيقي.
خلف الأقنعة… وجوه لا تُرى
احذر يا صديقي من أن تصدّق كل ما تراه.
فخلف الصور البراقة أقنعةٌ كثيرة، وخلف العبارات المنمّقة نفوسٌ متخفية.
كم من متدينٍ في الظاهر لا يعرف من الدين إلا مظهره، وكم من أنيقٍ يخفي قبحًا في داخله.
فلا تمنح ثقتك لمن يختبئ وراء اسمٍ مستعار، ولا تُقَيِّم الرجال بما يكتبونه بل بما يصنعونه في واقعهم.
الكلمة… سلاحك الأخطر
قبل أن تكتب، تذكّر أن كل حرفٍ يخرج منك يعيش بعدك.
قد تظنه تعليقًا عابرًا، لكنه ربما يجرح قلبًا، أو يُلهب فتنة، أو يُضيء بصيرة إن أحسنت نيتك.
اكتب كما لو أن الله يقرأ معك… لأنه يفعل.
فأنت تكتب والملائكة يكتبون، والله تعالى من فوق الجميع يحاسب ويراقب.
كن ضوءًا في عالمٍ يزداد ظلامًا
لسنا ضد التقنية، بل ضد أن تسرقنا من أنفسنا.
لسنا ضد الإنترنت، بل ضد أن نحيا فيه بلا وعي ولا حدود.
كن أنت المختلف…
كن من يصنع أثرًا لا ضجيجًا، ومن يترك بصمة لا ندبة، ومن يجعل من حضوره الرقمي صدقةً جارية لا خطيئةً جارية.
في عالمٍ امتلأ بالصدى… كن أنت الصوت الحقيقي.
وفي زمنٍ تاهت فيه الأقنعة… كن الوجه الصادق.
وفي بحر الإنترنت… كن سفينة النجاة.
بقلم / سيداتي بيدا