متابعة/ماروك24مديا
في المغرب، لا تعتبر موسيقى كناوة مجرد لون فني تقليدي، بل هي طقس ثقافي وروحي يختزل قرونا من التاريخ والإرث الإفريقي الذي انصهر في الهوية المغربية. أصوات “الهجهوج” العميقة وإيقاعات “القراقب” المعدنية لا تأتي منفردة، بل ترافقها كلمات وجدانية تلامس القلب وتخاطب الروح، ورقصات تعبيرية تحاكي لغة الجسد في أصدق حالاتها.
ما يميز كناوة هو ذلك الانسجام الفريد بين عناصرها: الكلمة الشعرية المشبعة بالمعاني الصوفية والدعوات الروحية، الموسيقى التي تحمل في نبراتها حزنا جميلا وفرحا خفيا، والرقص الذي يتحول إلى لغة تحرير، حيث ينفصل الجسد عن ثقل الواقع ليلتحق بعالم أكثر نقاء. في تلك اللحظة، يصبح المستمع مشاركا في الطقس، يعيش تفاصيله، ويغوص في عمق إيقاعاته كما لو أنه يفرغ داخله من ضغوط الحياة اليومية.
كناوة ليست مجرد أنغام، بل هي رسائل متعددة؛ رسائل حرية وأمل، دعاء وانعتاق، وصل بالماضي واستشراف للمستقبل. إنها دعوة صريحة للتأمل والمصالحة مع الذات، ورسالة إنسانية تؤكد أن الفن يمكن أن يكون بلسما للروح، وعلاجا غير ملموس لما يثقل الكاهل من هموم.
كثيرون ممن حضروا ليلة كناوية في إحدى الزوايا أو المهرجانات، يصفون التجربة بأنها أشبه برحلة علاجية. فالموسيقى لا تسمع فقط، بل تحس وتعاش، إذ تمنح الإنسان فسحة أمل وطمأنينة نادرة. إنها موسيقى تصالح بين الروح والجسد، وتخلق جسرا غير مرئي بين العازف والمستمع، بين الماضي والحاضر، بين الإنسان وذاته.
ولعل مهرجان كناوة بالصويرة هو أبرز واجهة تحتضن هذا التراث المغربي العريق، حيث يتوافد عليه سنويا عشاق هذا اللون الفني من كل بقاع العالم. هناك، تلتقي الأجيال وتندمج الثقافات، ليصبح المهرجان منصة دولية تحتفي بروح كناوة، وتعيد تأكيد أن هذه الموسيقى تتجاوز الحدود لتخاطب الإنسانية جمعاء.
ولاعترافها بعمق هذه التجربة الإنسانية، أدرجت اليونسكو موسيقى كناوة سنة 2019 ضمن قائمة التراث الثقافي اللامادي للإنسانية، تكريسا لقيمتها العالمية ورسائلها التي تحملها للعالم أجمع.
– بقلم لطيفة بنعاشير