متابعة/ماروك24ميديا
أنا داميا، أكتب لا لأجامل، بل لأصرخ.
اليوم، داخل إدارة عمومية بالخميسات، وبينما كان الناس ينتظرون بصمت بارد، شاهدت مشهدا يختصر خراب هذا الوطن: سيدة منهكة جسديا وعقليا، تجر طفليها وكأنها تجر العالم على كتفيها. فجأة، شاكسها الصغير… فصفعته وأغرقته في شتائم فاحشة. الإدارة التي يفترض أن تحمي الحقوق تحولت إلى مسرح للعنف. والأدهى من الضرب: صمت الحاضرين.
هذه السيدة ليست استثناء. آلاف الأسر المغربية تعيش نفس الهشاشة والمرض النفسي. أطفال اليوم هم مشاريع ضحايا، يربون على القهر والعنف، ونحن نتركهم يواجهون الواقع وحدهم. المجتمع صار جلادا: يستعمل المرض النفسي كشتيمة، كأداة للتشهير، بدل أن يوفر الدعم والحماية. الإهمال ليس قضاء وقدرا، بل خيار اجتماعي وسياسي.
الإدارة ليست مجرد مكتب لختم الأوراق، والموظف ليس آلة بلا روح. حين لا يدرب على التعامل الإنساني مع الفئات الهشة، فهو يساهم في سحقهم. وحين تغلق المستشفيات أبوابها في وجه المرضى النفسيين، تقول الدولة لهم صراحة: “موتوا بصمت.”
أنا أوجه ندائي بوجه مكشوف:
إلى وزارة الصحة: افتحوا مراكز دعم نفسي واجتماعي حقيقية، بلا شعارات انتخابية.
إلى وزارة التعليم: أدخلوا التربية النفسية والاجتماعية في المدارس، فالضرب ليس تربية.
إلى وزارة الداخلية: علموا الموظفين أن خلف الملفات بشر، لا أرقام.
إلى المجتمع المدني: انزلوا إلى الميدان، نريد أفعالا لا ندوات وصور.
إلى المجتمع كله: المرض النفسي ليس عارا، العار هو صمتكم وتواطؤكم.
الحلول ممكنة إذا وجدت الإرادة: مراكز استماع في الإدارات الكبرى، خطوط هاتفية مجانية للدعم النفسي، شراكات فعلية بين الدولة والجمعيات، وإدماج التربية النفسية والاجتماعية في المناهج.
ذلك المشهد لم يكن عاديا، كان صفعة في وجوهنا جميعا. بلد يدفن الألم تحت الصمت، يترك النساء ينهارن، ويترك الأطفال يصفعون ثم يتحدث عن “مستقبل مشرق”. أي مستقبل؟ مستقبل مبني على الإهمال هو خراب جماعي.
أنا داميا. أكتب لأتمرد على صمتكم. أكتب لأقول: كفى نفاقا، كفى إهمالا، كفى تحويل المرضى والضعفاء إلى أهداف للسخرية. حماية هؤلاء ليست منة، بل حماية لنا جميعا من الانفجار القادم… والانفجار قادم.
بقلم لطيفة بنعاشير