متابعة/ماروك24ميديا
لم تعد قضية مهاجري دول الجنوب في المغرب مجرّد حكاية عابرة على ضفاف البحر الأبيض المتوسط. ما كان يُنظر إليه سابقًا كـ”محطة عبور” نحو أوروبا، تحوّل اليوم في أعين الكثيرين إلى “محطة استقرار اضطراري” لآلاف المهاجرين الذين علقت بهم الطرق، أو جذبتهم سياسات التسوية التي أعلنتها الدولة في السنوات الأخيرة.
التاريخ القريب يروي أن المغرب كان ممرًّا رئيسيًا نحو إسبانيا عبر سبتة ومليلية أو مضيق جبل طارق. لكن اتفاقيات مشددة مع الاتحاد الأوروبي، ومراقبة صارمة للحدود، وصعوبات مالية ولوجستية واجهها المهاجرون، جعلت نسبة منهم تتوقف في المغرب، أحيانًا بشكل مؤقت، وأحيانًا بشكل دائم.
حملتا تسوية أوضاع المهاجرين في 2014 و2017 منحتا آلاف الأشخاص أوراق إقامة قانونية، وهو ما اعتبرته الحكومة مكسبًا إنسانيًا، لكنه في المقابل فتح نقاشًا شعبيًا واسعًا حول القدرة على الاستيعاب الاجتماعي والثقافي.
لا يمكن إنكار أن ملف الهجرة بات ورقة قوية في يد المغرب على الطاولة الأوروبية. التعاون في ضبط الهجرة يُستخدم كورقة ضغط في ملفات أخرى، كالتجارة، الصيد البحري، وحتى قضية الصحراء.
الاتحاد الأوروبي ضخ مئات ملايين اليوروهات لتمويل برامج مراقبة الحدود، وإنقاذ المهاجرين في البحر، ودعم مشاريع الإدماج. بعض هذه الأموال وصل بالفعل، وبعضها الآخر ظل رهينًا بشروط سياسية ومراقبة دقيقة.
في الأسواق، الأحياء الشعبية، ومواقف الحافلات، تسمع همسًا وعلنًا نفس العبارة: “الأمن تبدّل…”.
يشتكي مواطنون من حوادث أمنية تورط فيها مهاجرون، معتبرين أنها باتت تهدد سلامة السكان. آخرون يتحدثون عن اختلاف في العادات والسلوكيات، ما يخلق احتكاكات يومية، خاصة في الأحياء المكتظة.
لكن من الإنصاف القول إن الجريمة لا تحمل جنسية، وأن الأرقام الرسمية – لو نُشرت بشكل دوري – قد تكشف صورة أكثر توازنًا من الانطباعات المتداولة عبر فيديوهات مواقع التواصل.
بعض المدن الكبرى، خصوصًا الدار البيضاء، الرباط، فاس، وطنجة، شهدت ضغطًا إضافيًا على المرافق العمومية: مدارس مكتظة، مستوصفات تعاني، ونقل حضري يتأخر. في بعض الأحياء، باتت الثقافة اليومية مزيجًا من اللهجات الإفريقية والعربية، وأحيانًا ميدانًا لتجاذب ثقافي لا يخلو من سوء فهم.
وزارة الداخلية تُعلن بالأرقام عن مئات محاولات الهجرة المحبطة سنويًا، وعمليات إنقاذ في البحر، وضبط شبكات تهريب البشر. لكن المواطن المغربي ينتظر أكثر من ذلك: شفافية في نشر بيانات الجريمة حسب المناطق والجنسية، واستثمار التمويلات الأوروبية في تحسين الأحياء المتأثرة مباشرة، لا في مشاريع ورقية أو تقارير مؤتمرات.
الأمر ليس مجرد حماية حدود، بل حماية مجتمع… مع حفظ كرامة الإنسان، سواء كان مغربيًا أو مهاجرًا.
الحل يكمن في ثلاثية متوازنة: تطبيق القانون بلا تمييز، دعم الاندماج المحلي بوسائل عملية، وضمان أن الدعم الأوروبي يصل إلى المواطن قبل أن يبقى حبرًا على ورق.
المغرب اليوم يقف عند مفترق طرق: إما أن يظل ورقة ضغط أوروبية مؤقتة، أو أن يحوّل التحدي إلى فرصة لبناء نموذج جديد للتعايش الآمن. لكن ما بين الأرقام الباردة وحرارة الشارع، يبقى صوت المواطن البسيط هو البوصلة التي يجب ألا تضيع.
بقلم: سوجاع أحمد