google.com, pub-5726207047985757, DIRECT, f08c47fec0942fa0
أخبار عاجلة
الرئيسية / الرئيسية / بقايا شهيد

بقايا شهيد

متابعة/ماروك24مديا

عادت الأرملة إلى بيتها، لم تكن وحدها. كانت تحمل معها صندوقًا خشبيًا ثقيلًا، يحوي كل ما تبقى من زوجها “خالد”. لم يعد خالد، عاد صندوقٌ يذكّرها بلمسة يدٍ، ورائحة عطر، ووعودٍ لم تتحقق. وقفت أمام الباب، ترددت في فتحه، كأنما تخشى أن يخرج من الصندوق طيف خالد. لكنها فتحته، ووضعته في زاويةٍ مهملة، زاويةٌ اعتادت أن تضم كل ما لا قيمة له.
لم يكن الصندوق هو كل البقايا. كانت هناك “أرملة” نفسها، بقايا زوجةٍ أرهقتها سنوات الانتظار، وكانت هناك “فاطمة” و”أحمد”، طفلاهما، بقايا روحٍ ودم. كانا يجلسان في غرفةٍ صغيرة، ينظران إلى صورة أبيهما المعلقة على الحائط، يسألانه عن الحكايات التي لم يروها لهما.
كانت الأرملة تشعر أنهم ليسوا سوى أشياء، كأنهم صندوقٌ آخر يُسلّم مع بقية الأشياء. كانت المرة الأولى و الأخيرة لضباط أتوا مسرعين، ألقوا عليهم نظرةً عابرة، واصفينهم بـ “أهل الشهيد”، ثم غادروا. كأنها مهمةٌ قد أُنجزت، وصندوقٌ قد تم تسليمه. لم يكترث أحدٌ لمشاعرها، لأحلامها، لآمالها في أن يرى طفلاها يومًا ما أباهما.
مرت الأيام، وتحولت “البقايا” إلى عبءٍ ثقيل. أصبحت الأرملة عبئًا على عائلتها، وعلى المجتمع. كانوا ينظرون إليها كشيءٍ قديم، كجرحٍ لا يندمل، وكصورةٍ باهتةٍ لذكرى لم تعد مهمة. أما الطفلان، فكانا ينموان في ظل غيابٍ مؤلم، وذكرياتٍ باهتةٍ عن أبٍ لا يعرفانه إلا من الصور.
ذات يوم، جاءت عائلة زوجها، يزورونهم. كانوا ينظرون إلى البيت، إلى الأثاث القديم، وإلى ملابس خالد التي ما زالت معلقةً في خزانة. قال أحدهم : “هذا البيت يحتاج إلى تجديد. هذه الملابس يجب حرقها. لم يعد لها وجود.”
شعرت الأرملة أن الكلمات كانت موجهةً إليها، وإلى طفليها. كأنهم هم أيضًا يجب أن يُحرقوا، كأنهم أيضًا يجب أن يتلاشوا من الوجود. في تلك اللحظة، نظرت إلى صورة زوجها، شعرت بمرارةٍ لا توصف. زوجها الذي ضحى بروحه من أجل الوطن، أصبح وجوده ذكرى باهتة، وبقاياه أشياءً يُراد التخلص منها.
في المساء، كانت الأرملة جالسةً بجوار الصندوق الخشبي. فتحته، وأخرجت منه قميصًا عسكريًا قديمًا. كانت رائحة خالد ما زالت عالقةً فيه. ضمّت القميص إلى صدرها، وبدأت تبكي بصمت. شعرت أن الزمن يلتهم كل ما يمت بصلةٍ لزوجها. أن كل ما تبقى منه، سيصبح يومًا ما ذكرى منسية، كأنه لم يكن يومًا.
في تلك اللحظة، أيقنت الأرملة أن بقايا الشهيد ليست صندوقًا خشبيًا، أو قميصًا قديمًا، بل هي الألم الذي لم ينته، والأمل الذي مات. هي جرحٌ نازفٌ في قلب الوطن، وطنٌ ينسى أبطاله، ويتخلص من بقاياهم.

بقلم ابراهيم العيرج ابن شهيد حرب الصحراء المغربية

شاهد أيضاً

حين تُسرق المريضة في فراشها… أيُّ ضمير هذا يا طنجة

ماروك24مديا  في طنجة، المدينة التي كانت تُلقَّب بعروس الشمال، حدث ما يشيب له الولدان. في …

لمديرية الجهوية للصحة و الحماية الاجتماعية بجهة فاس مكناس تنخرط في تخليد اليوم العالمي للسكتة الدماغية

ماروك24ميديا المديرية الجهوية للصحة و الحماية الاجتماعية بجهة فاس مكناس تنخرط في تخليد اليوم العالمي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *