متابعة/ماروك24مديا
تحرير ومتابعة سيداتي بيدا
في قلب المغرب النابض، وتحديدًا من عاصمة السياحة والحرارة المرتفعة والضياع الإداري المدروس، مراكش، تبرز مؤسسة صحية من المفترض أنها “منارة طبية” في جهة مراكش-آسفي، لكنها في الواقع تُشبه كل شيء إلا المستشفى.
مستشفى محمد السادس بمراكش، حيث يلتقي الطب بالبيروقراطية، وتتصافح الإنسانية مع المحسوبية، في مشهد يُحاكي العبث… لكن على نفقة المواطن.
تدخل المستشفى فتظن لوهلة أنك في طريقك لحضور ندوة دولية، حراس أمن بصدور منتفخة، يملكون صلاحيات تفوق صلاحيات المدير نفسه: يُقرّرون من يدخل ومن ينتظر ومن “يرجع غدا”. هؤلاء لا يكتفون بحراسة الأبواب، بل يحرسون أيضًا أسرّة المرضى والكراسي المتحركة وحتى الأمل في الاستشفاء، وكأنك في مؤسسة مالية تُوزع القروض لا في مرفق صحي يُفترض أنه عمومي.
أما إذا قررت أن تسلك طريق الإدارة، فعليك أن تجهّز نفسك برحلة داخل دهاليز بلا منطق، وموظفين بلا شفقة. تحاول أن تشرح وضعك فتُقابل بجملة “سِيرْ دُورْ”، في إشارة خفية إلى أن الاستسلام أسرع طريق لتجنّب الذل. وموعد مع الطبيب؟ تلك أسطورة من أساطير المستشفيات المغربية، قد يتحقق بعد موسم أو موسمين، أو إن كنت من المحظوظين الذين “يعرفون أحدا يعرف أحدا”.
في ردهات المستشفى، تنتشر حالات مرضية متروكة للصدفة: رجل طاعن في السن مكسورة رجله، فتاة شابة تبحث عن طبيب العظام، أم تحتضن رضيعها في طابور لا ينتهي. الجميع ينتظر، لا ليتلقى العلاج، بل لينال شرف الاعتراف بوجوده كمريض. وتحت كل هذا، تنشط السوق الموازية: وساطة، تسهيلات، إكراميات، و”معارف”، بينما تتحول الممرضة إلى سيدة قرار، يُهمس لك أنك إن أردت فحصك بسرعة، فعليك أن “تُقدّر المجهود”.
الحالات كثيرة، والألم متنوع، لكن القاسم المشترك بينها جميعًا هو أن الاستفادة من أبسط الخدمات تمر عبر حواجز غير طبية: من حارس الأمن إلى السمسار الطبي، من موظف الاستقبال إلى “صيدليات الظل” المتواجدة قرب الباب الرئيسي، حيث يمكنك اقتناء القضبان الحديدية للعملية التي يُفترض أن تكون بالمجان، فقط لأن شخصًا ما قرّر أن يكون الأمر “خارج النظام”، علنًا وبدون خجل.
ووسط كل هذا، يستعد المغرب لاحتضان تظاهرات رياضية عالمية، بملاعب تليق بالقرن الحادي والعشرين. لكن هل من المناسب أن نُجمّل الواجهة ونحن نعلم أن الصحة في الداخل لا تزال تعاني من أعطاب القرن الماضي؟ ألا نتذكر الحادثة المؤسفة التي وقعت في ورزازات عندما أُصيب ممثل أمريكي بوعكة صحية أثناء تصوير لقطة من مسلسل Prison Break، فوجد نفسه وسط مرفق صحي أشبه بمتحف طبي لما قبل العصر الحديث؟ الحادثة جعلت البعض يقول: “الصحة عندنا ما زالت تعيش في عهد ما قبل الإسعاف”.
نحن لا نكتب لننتقد، بل نكتب لأن الضمير لا يشفى بالصمت. نكتب لأننا نحب هذا الوطن، ونخاف أن نظل نُزيّن السطح بينما الأساس ينهار. نكتب لأن جلالة الملك نصره الله وأيده، الذي يطلق المشاريع الكبرى طموحًا في مغرب مزدهر، لا يرضى لمواطنيه الذل في ممرات المستشفيات العمومية.
لسنا ضد الاستثمارات، ولا نُعارض التظاهرات العالمية، لكننا فقط نُذكّر: قبل أن نستقبل ضيوف العالم، لِنُعالج أبناءنا. قبل أن نرفع الراية في الملاعب، لِنُخفض من نسبة الإهانات في المستشفيات. فقط… لنحفظ ماء وجه وطن يستحق أن نعيش فيه بكرامة.