متابعة/ماروك24ميديا
تحرير ومتابعة سيداتي بيدا
في الوقت الذي تنادي فيه مؤسسات الدولة وهيئات المجتمع المدني بضرورة فرض النظام وتحرير الملك العمومي من مظاهر التسيب والعشوائية، تتزايد مظاهر انفلات جديدة ترتدي هذه المرة “سترة صفراء” وتتسلح بنظرات التحدي، لتفرض قانونها الخاص وسط صمت مريب من السلطات المحلية.
ورغم تحذيرات كثيرة ومطالب واضحة بضبط هذا الملف المتنامي، إلا أن الشارع المغربي لا يزال يشهد توسعًا مطردًا لهؤلاء الأشخاص الذين يفرضون على المواطنين إتاوات غير قانونية، ويتعاملون معهم بعقلية العصابات، تحت يافطة تنظيم وقوف السيارات.
■ من المدن الكبرى إلى البلدات الهامشية
قد يُخيَّل للبعض أن هذه الظاهرة حكر على الحواضر الكبرى التي تعرف كثافة مرورية وتدفقًا بشريًا عاليًا. لكن الواقع يكشف أن هذا “الفيروس المجتمعي” قد انتشر ليصيب جسد المدن الصغرى كذلك، من بينها مدينة إمنتانوت، حيث شهدت حادثة مثيرة تكشف حجم التسيّب الذي بات يهدد أبسط مظاهر احترام القانون.
ففي وضح النهار، وعند المحطة الطرقية القديمة بإمنتانوت، ركن أحد المواطنين سيارته لدقائق قليلة لاقتناء بعض الفواكه. ولم يُصادف أي شخص يدّعي تنظيم الوقوف، فاستبشر خيرًا وظن أن المدينة ما تزال بمنأى عن هذه الممارسات. غير أن عودته لم تكن كما غادر، إذ فاجأه شخص يرتدي سترة صفراء وهو يطالبه بدفع مبلغ مالي دون أي سند قانوني. وعندما طالبه بوثيقة تثبت أحقيته في فرض هذه “السومة”، انهال عليه بالسب والقذف والتهديد أمام الملأ، بكلام سوقي يخدش الحياء ويهين الكرامة.
■ القانون غائب… والمواطن في الواجهة
المواطن المتضرر، قرر أن يتحلى بالصبر ويلجأ إلى القانون بدل الدخول في مشادات قد تجره إلى متاهات لا تُحمد عقباها. فقصده إلى شرطي مرور في المكان، وأطلعه على تفاصيل ما وقع، ليحيله بدوره على مركز الشرطة القريب.
وهنا تبدأ المفارقة: مركز الشرطة المتواجد قبالة مقهى المسافرين، رفض في البداية الاستماع إليه لأسباب وصفت بـ”الحساسة”، ليتحول النقاش إلى خارج المركز، حيث أعاد الضحية سرد الوقائع. بعدها، رافقته دورية إلى مكان الحادث، لكن المفاجأة كانت في أن الفاعل اختفى، وعُوّض بشخص مسن يرتدي سترة مشابهة في مشهد يطرح أسئلة عن التواطؤ أو على الأقل عن “التناوب المنهجي” على استغلال فضاءات عمومية دون وجه حق.
■ خروقات قانونية واضحة… والتجريم حاضر في النصوص
ما يجري على أرض الواقع لا يمكن أن يُنظر إليه كمجرد “تنظيم شعبي” لوقوف السيارات، بل هو سلوك مجرّم وفق مقتضيات القانون الجنائي المغربي، إذ يُعد:
انتحال صفة منظمة قانونًا (الفصل 381)،
التهديد والعنف اللفظي (الفصلان 425 و442)،
الاحتلال غير المشروع للملك العمومي (الفصل 263 من مدونة الجماعات + الظهير الخاص بالاحتلال المؤقت للملك العمومي).
وهو ما يجعل ما يُعرف بـ”أصحاب السترات الصفراء” خارجين عن القانون، لا عن التنظيم.
■ الصحافة… صوت ينادي من فراغ؟
رغم أن الصحافة تُعد سلطة رابعة ووسيلة مشروعة للتنبيه إلى الاختلالات، إلا أن الواقع يقول إن أصواتها غالبًا ما تُقرأ ولا يُستجاب لها. في بلد ينص دستوره في الفصل الأول على أن الحكم فيه اجتماعي، وينص في فصوله الأخرى على دور المجتمع المدني والإعلام في المراقبة والمساءلة، يبدو أن كثيرًا من الشكاوى والنداءات تواجه جدارًا من اللامبالاة.
فإلى متى سيظل المواطن ضحية لممارسات خارج القانون؟ وإلى متى سنستمر في التغاضي عن احتلال الشوارع والأرصفة من قبل أشخاص يفرضون “إتاوات” على مرأى من رجال الأمن والسلطة؟ ومتى سنرى تفعيلًا حقيقيًا لترسانة قانونية متقدمة ظلت حبرًا على ورق؟