google.com, pub-5726207047985757, DIRECT, f08c47fec0942fa0
الرئيسية / اخبــار دولية / لحظة النهاية: بين مأساة أبي عبد الله الصغير ونشوة فرديناند وإيزابيلا

لحظة النهاية: بين مأساة أبي عبد الله الصغير ونشوة فرديناند وإيزابيلا

متابعة/ماروك24مديا

بقلم: سوجاع أحمد

في حي المصلى بمدينة فاس، يرقد تحت قبة مهملة رجل طواه النسيان: أبو عبد الله محمد الثاني عشر، آخر ملوك بني نصر في غرناطة. رجل ظلم حيًا وميتًا، إذ حمّله البعض مسؤولية سقوط آخر معاقل الإسلام في الأندلس، بينما وثائق التاريخ تحمل بين طياتها رواية أخرى، أكثر تعقيدًا وإنسانية.

في الطرف الآخر من البحر، وفي قصر الحمراء بغرناطة، خلد الإسبان لحظة ظنوا أنها “نصر إلهي” أهداه إليهم القدر بعد حروب استمرت زهاء ثمانية قرون. الملكان فرديناند الثاني من أراغون وزوجته إيزابيلا الأولى من قشتالة قادا حربًا منهجية ضد مملكة غرناطة، وحين أيقنوا أن جدران المدينة العريقة أوهنتها الانقسامات، أحكموا عليها الحصار.

وفق الروايات الإسبانية، بدا تسليم غرناطة وكأنه استسلام مشرف مشوب بالحزن، حيث سلّم أبو عبد الله الصغير مفاتيح المدينة بنفسه على ضفاف نهر جينيل في 2 يناير 1492. رفعت الرايات الصليبية فوق قصر الحمراء، وحُملت مفاتيح آخر قلاع الإسلام في الأندلس إلى فرديناند وإيزابيلا وسط صلوات وانتصارات رسمية، ترويها لوحات الفن الأوروبي كرمز لنهاية “الاسترداد”.
وقد ورد أن الملك فرديناند قال في تلك اللحظة مخاطبًا حاشيته:

> “اليوم نسترد تاج إسبانيا، ونمحو آخر أثر للوجود الإسلامي من أرض آبائنا.”

لكن من منظور أبي عبد الله الصغير، كانت الصورة أكثر مرارة. مقاومًا حتى الرمق الأخير، فاوض تحت ضغط الهزائم الداخلية والخارجية، راغبًا في تجنيب غرناطة الدمار، فقبل باتفاقية سلام تضمن للمسلمين حقوقهم في العبادة والممتلكات والحياة. معاهدة غرناطة (1491) نصّت على بنود تضمن الكرامة، لكنها ما لبثت أن نُقضت مع مرور الزمن، لتُفتح أبواب الاضطهاد والتهجير أمام الأندلسيين.

وقد نُقل عن أبي عبد الله الصغير بعد تسليمه المدينة قوله لأحد خواصه:

> “لم أبع ملكي بثمن، ولكنني أنقذت به الأرواح مما ينتظرها من سيوف القشتاليين.”

أبو عبد الله الصغير لم يُعط مفاتيح غرناطة عن خيانة، كما صوّره بعض المؤرخين المغاربة بلقب “بالزغل”، بل فعل ما يفعله كل قائد انهكته الحروب الأهلية والخذلان الداخلي، حين لم يعد أمامه إلا إنقاذ ما تبقى من شعبه. في روايات إسبانية محايدة، يتجلى مشهد تسليمه المفاتيح ليس كخنوع، بل كأسطورة مأساوية لبطل مكسور.

وقد روي أن الملكة إيزابيلا علقت حين دخلت الحمراء قائلة:

> “لقد تطهرت هذه القصور بدموع الخضوع، فلتصبح منذ اليوم دارًا للإيمان والعدل.”

بعد خروجه من غرناطة، عبر مضيق جبل طارق ليستقر في مدينة فاس بالمغرب، حيث عاش غريبًا عن وطنه، حتى وافته المنية بعيدًا عن أسوار الحمراء التي بناها أجداده. دُفن في قبر بسيط لا يشبه عظمة الملوك، واليوم، لا تكاد شواهده تُقرأ وسط الإهمال والنسيان.

من غرناطة إلى فاس، من عرش إلى قبو، من نصر إلى نكسة… بين الرؤية المنتشية للملوك الكاثوليك والرواية الحزينة للمنفي المخلوع، تكتمل صورة لحظة النهاية، حيث يصعب الحكم إن كان النصر نصرًا مطلقًا أو كانت الهزيمة هزيمة مطلقة.

فالتاريخ، كما يقول المؤرخون، لا يكتب بالحبر فقط، بل بالدموع أيضًا.

شاهد أيضاً

قائد المقاطعة الأولى بمدينة مرتيل يستقبل وفداً من جمعية الوكلاء العقاريين لجهة طنجة تطوان الحسيمة

متابعة/ماروك24مديا في إطار تعزيز التعاون بين السلطات المحلية والفاعلين في القطاع العقاري، استقبل قائد المقاطعة …

حادث سير مأساوي بجماعة آيت بويحيى الحجامة يخلف ضحية وخمسة جرحى

متابعة/ماروك24ميديا عرفت الطريق الجهوية الرابطة بين تيفلت وسيدي عبد الرزاق مساء يوم الجمعة 16 ماي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *