متابعة/ماروك24ميديا
في قلب المدينة العتيقة لفاس، حيث يلتقي التاريخ بالصنعة، تعاني الحياة الاقتصادية اليومية من معضلة باتت تؤرق التجار وأرباب دور الضيافة والفنادق، وحتى المرشدين السياحيين المعتمدين: الإرشاد السياحي غير المرخّص. ظاهرة تتجاوز حدود المنافسة غير الشريفة لتتحول إلى سلوك لا أخلاقي، يقوّض أسس الثقة بين المهنيين ويشوّه صورة المدينة لدى الزوار.
يروي أحد التجار من سوق الطالعة: “لم نعد نحتمل الابتزاز. يأتيك شخص بلباس عادي، يجر وراءه سائحاً أجنبياً، ثم يشير إليك قائلاً: أعطه 50٪ من أي صفقة، وإلا سيأخذ الزبون ويغادر”. هؤلاء “المرشدون المزيفون” لا يكتفون بنقل السائح، بل يمارسون ضغوطاً، ويتدخلون حتى في تسعير المنتجات، ما يخلق توتراً كبيراً في العلاقة بين التاجر والسائح.
ولا يتوقف الأمر عند التجار. فأرباب دور الضيافة والفنادق يعانون بدورهم من ضغوط متواصلة. يقول مدير أحد الرياضات بفاس: “هؤلاء الأشخاص يطالبون بعمولة تصل إلى 20٪ عن كل زبون يُقيم لدينا أو يتناول وجبة في مطعم نرشحه لهم. وحين نرفض، يُطلقون إشاعات أو يدفعون السائحين لمقاطعتنا.
وفي خضم هذه الفوضى، يجد المرشدون السياحيون المعتمدون أنفسهم في مواجهة غير عادلة مع أشخاص يشتغلون خارج القانون، دون تأهيل أو تكوين. يقول أحد المرشدين المرخصين بفاس: “نحن مطالبون بتكوينات دقيقة، ونتحمل مسؤوليات مهنية وقانونية، بينما يأتي من لا علاقة له بالمجال ويسيء للسياحة المغربية بتصريحات مغلوطة وسلوكيات طائشة”.
ويضيف آخر: “نُزاحم في رزقنا ونُساء فهمنا من طرف السياح بسبب ممارسات هؤلاء، في حين تُربط أحياناً سمعة الجميع بنفس السلوكيات غير المسؤولة.
رغم المجهودات الجبارة التي تقوم بها الفرقة السياحية التابعة للأمن الوطني، والتي تسهر على رصد واعتقال المرشدين غير المرخّصين، إلا أن الظاهرة ما زالت مستفحلة. ويُرجع العديد من المهنيين ذلك إلى وجود فراغ قانوني يمنح النيابة العامة وحدها سلطة تقديرية في تصنيف الأفعال وتقدير خطورتها.
يشير بعض المتضررين إلى أن تفشي هذه الظاهرة قد يكون وراءه نوع من “التواطؤ الصامت”، حيث يُغض الطرف عن هؤلاء الأشخاص، إما لصعوبة إثبات التهمة، أو بسبب ضعف المتابعة القضائية. وغالباً ما يُخلى سبيلهم بعد ساعات قليلة من التوقيف، ليعودوا مجدداً إلى نفس الأسلوب.
تطالب الهيئات المهنية والجمعيات النشيطة في مجال السياحة بإعادة النظر في الإطار القانوني المنظم للمهنة، وتجريم الإرشاد السياحي غير المرخص بشكل صريح، مع تفعيل آليات ردع واضحة وفعالة، تضمن احترام المهنة، وتحفظ كرامة المهنيين، وتوفر تجربة سياحية نظيفة وآمنة للسياح.
ما يحدث في المدينة العتيقة لفاس ليس مجرد تجاوز قانوني، بل هو انهيار تدريجي لقيم الضيافة والمصداقية التي تشتهر بها المدينة. وإذا لم يتم التصدي لهذا السلوك بشكل حازم، فإن تداعياته ستطال صورة المغرب كوجهة سياحية، وستُلحق الضرر بعشرات الأسر التي تعيش من العمل الشريف في هذا القطاع الحيوي.
سوجاع أحمد